العنصريّة: متلازمة الأنظمة الرأسمالية المدّعية الإنسانية !

بين حادثة جورج فلويد الذي "لم يستطع التنفس" وبين مشهد العاملات الأثيوبيات المرميات على الأرصفة كأشياءٍ تمّ الاستغناءُ عنها، تسقط كلّ ادّعاءات الإنسانيّة الزّائفة في العالم.

قبل الخوض في أزمة العاملات الأجنبيّات المتراكمة منذ سنواتٍ عديدةٍ، وقبل البحث في النّظرة اللبنانية الدّونية للمساعدات المنزليّات، لا بدّ من التذكير بأنّ مآسي كثيرة حدثت على خلفيّة العنف ضدّهن، وقد شهدنا في عدّة مرّات إمّا تعنيفهنّ أو انتحارهنّ بسبب سوء المعاملة التي يتعرّضن لها في بعض المنازل.

ومع حلول جائحة "كورونا" على لبنان، كان للعاملات الأثيوبيات "حصّة الأسد"، ولكن ليس من ما تدّعي العائلات إعطاءهنّ: "بياكلوا قبلنا"، منشتريلن أحلى تياب" (مع العلم أنّ مأكلهنّ وملبسهنّ ليس بكرم أخلاق بل من حقوقهنّ الطّبيعية)، بل حصّة الأسد من الأسى والمعاناة و" التّعتير".

فمن جهة "كورونا" والحجر المنزلي وما حمل من ازدياد حالات العنف، ومن جهة أخرى أزمة سعر صرف الدّولار مقابل اللّيرة اللّبنانية والارتفاع الجنوني لسعر الصّرف، الأمر الذّي صعّب دفع رواتب العاملات المنزليّات فزاد ذلك من مأساتهنّ في "سويسرا الشّرق" أزمة جديدة، وذكرى سوداء جديدة.

في مشهد مقيت، في صورة أقلّ ما يقال فيها أنّها "مزرية"، جلست العاملات الأجنبيّات على الأرصفة بعد أن تمّ طردهنّ من المنازل، مع العلم أنّ بعضهنّ لم ينل حقوقه المتراكمة، ولم يستطع الحصول على كامل مستحقّاته. وطبعاً لا وجود لقانون يحمي العاملات الأجنبيّات في دولة "كلّ مين إيدو إلو".

ومن أبرز شروط عودتهنّ إلى بلادهن أن يكون الحجر المنزلي عند الوصول إلى أثيوبيا على نفقتهنّ الشّخصية. مع العلم أن تكلفة الليلة الواحدة هي 50 دولار أميركي، يعني مجموع التكاليف بغضّ النظر عن سعر التذكرة هو 700 دولار أميركي، أي ما يساوي مدّخرات 3 أشهر كاملة بأفضل تقدير.
وفي مشهدٍ مقزّز، يدلّ على النظرة الفوقية المقرفة لبعض المواطنين اللّبنانيين، قام بعض الشّبان بالتحرّش اللّفظي، وعرض المال على العاملات اللّواتي افترشن الطريق مقابل "خدمات جنسيّة"، مستغلّين الحالة المحزنة، والفقر والتشرّد الّذي تعاني منه هؤلاء النّساء.

"نمط مستمرّ من انتهاكات حقوق الإنسان ولكن بأشكال مختلفة"

ففي مشهد آخر في الولايات المتّحدة الاميركية حبس العالم أنفاسه 9 دقائق، كانت كفيلة لإنهاء حياة المواطن الأميركي ذي البشرة السوداء جورج فلويد الّذي توفي خنقاً أثناء تثبيته على الأرض بغية اعتقاله من قبل الشّرطة الأميركية حيث قام الشّرطي بالضّغط على عنق فلويد بركبته لما يقارب التّسع دقائق. وكان اللافت في الحادثة.. الجملة الّتي قالها فلويد “I can’t breathe”، رغم أنّ هذا المشهد ليس الأوّل من نوعه إلّا أنّه أثار ضجّة إعلاميّة أشعلت الشّارع الأميركي والرأي العام العالمي من جهةٍ أخرى.

ففي عدّة ولايات أميركيّة عمّت الشّوارع تظاهرات مندّدة بعنصريّة الشّرطة حتّى أنّ الاحتجاجات طالت الرّئيس الأميركي دونالد ترامب وممارساته وتصريحاته العنصريّة. وقد حلّ أيضاً سخط الشّارع على الشّرطة حتّى أنّهم أحرقوا مقرّاً تابعاً لها للتّعبير عن حالة الاستنكار والامتعاض من الحادثة.

قد تكون حادثة فلويد هي الأولى الّتي يظهر فيها عنف الشّرطة في أميركا مباشرة على الهواء، والمرّة الأولى الّتي تتجرّد فيها الدّولة الرأسمالية الجشعة من أكاذيب حقوق الإنسان الّتي تتبجّح بها في المحافل الدّولية. اميركا الّتي تمتلك واحداً من أسوأ السّجون في العالم من حيث الظّروف والتعذيب والأساليب العنفيّة الّتي تمارس بحقّ المساجين تحت غطاء "مكافحة الإرهاب: أقرّت منذ فترة وجيزة جداً قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، في وقت يقتل وينكّل بأصحاب البشرة السوداء على أرضها بلا حسيب ولا رقيب، ومن دون أي مبرّر سوى العصبيّة الوقحة.

حالتان مختلفتان في بلدين مختلفين أيضاً ولكنّ النظام واحد، والعنصريّة المستترة واحدة. في لبنان مجتمع يدّعي الحضارة والرّقي والتقدمية، في بلدٍ لا وجود فيه بالأساس لقانونٍ أو مرسوم يحدّد فيه ما يحمي الحدّ الأدنى من حقوق العمّال الأجانب. يعامل ذوي البشرة السّوداء على أنّهم بشر من درجة ثانية، أو من الفضاء الخارجي. وفي الولايات المتّحدة الأميركية، بلد الحرّيات الكاذبة، دولة تتغنّى وتتفاخر بكونها المدافع الأوّل عن حقوق المغبونين في العالم، يتعرّض فيها ذوو البشرة السّوداء وغيرهم من أصول غير "قوقازية" للعنف بشكلٍ يومي خلف الكواليس من قبل السلطة نفسها الّتي تلعب دور "حامي الضّعفاء" دولياً.

تختلف أشكال العنصريّة وتتعدّد الممارسات الّتي تهين الإنسان وكرامته، ولكنّ هذه الظواهر لطالما وجدت، وستبقى حاضرة في مجتمعاتنا ما دامت المنظومة العالميّة الحاليّة سائدة اقتصادياً واجتماعياً والّتي فيها يستعبد "القوقازي" الأفريقي، ويستبدّ صاحب رأس المال من هم تحت رحمته، لتبقى الإنسانيّة عبارةً عن شعاراتٍ رنّانة لا وجود لها إلّا في بعض البيانات الصّادرة عن الأمم المتّحدة.

 

 

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 379
`


رين بريدي