العيد ال98 للحزب الشيوعي اللبناني ومهمة تطوير الماركسية في العالم العربي

إن الأزمة العميقة التي يمر بها اليسار الماركسي العربي تحتاج لكل جهد ماركسي من أجل تخطيها، والحزب الشيوعي اللبناني بما يمتلكه من إرث نظري وكوادر يتحمل مسؤولية ضخمة إزاء تطوير الوضع الماركسي العربي من أجل الوطن الحر والشعب السعيد!

عادةً، وكما جرى التقليد، في المناسبات الاحتفالية، يتم تدبيج خطابات دبلوماسية، يمكن استخدامها في كل مناسبة تأسيسية فقط بتبديل بعض الأسماء والتواريخ، هذا انطباع لم أستطع الفكاك منه بعد كل مطالعة لنصوص خُطب تم إلقائها في مناسبات تاريخية عديدة للحركة الشيوعية العالمية، لذا حين أتيحت لي الفرصة لكتابة شئ ما بخصوص الذكرى الثامنة والتسعين لتأسيس الحزب الشيوعي اللبناني، قررت أن تكون كتابتي مخالفة لما رسخ، أو على الأقل تحاول التمايز.
يبدو الحزب الشيوعي اللبناني، حالة مغايرة لكافة الأحزاب الشيوعية العربية. وهذا صحيح تماماً لجملة من الأسباب أهمها في تقديري هو شكل المجتمع اللبناني، أو الشكل الذي تُمارس فيه السياسة في المجتمع اللبناني، إن هذا الشكل الذي تقاتل البرجوازية اللبنانية لترسيخه، والدور الذي لعبه الحزب الشيوعي منذ تأسيسه، الدور الذي هو في حد ذاته نقض لهذا الشكل المراد به تأطير السياسة في لبنان، هو ما أكسب الحزب الشيوعي اللبناني ووجوده الماضي ومستقبله هذا التمايز.
هناك من يقولون بطائفية المجتمع اللبناني، طائفيته التي تتعدى حدود الشكلانية لتصبح جوهر وعصب الوجود الاجتماعي اللبناني، بحيث يُرى لبنان كطوائف لا اجتماع لها، وتُرى السياسة في لبنان كعلاقة بين طوائف، وبالرغم من الثبوتية التاريخية للدور الاستعماري في تأسيس دولة جبل لبنان، ودعم "الموارنة" في مواجهة "الدروز" من طرف الاستعمار الفرنسي وترسيخ الكانتون الطائفي الماروني، فإن أيديولوجيي البرجوازية اللبنانية – ميشال شيحا مثلاً – قد نظَّروا لبداهة وطبيعية الطائفية في لبنان أي بلا تاريخية الظاهرة، أبديتها في الماضي والحاضر والمستقبل. لميشال شيحا نظراء من كافة المذاهب، وهم لا يحاججون بتفوق طائفة على طائفة، إنهم يحاججون حول أبدية الطائفية في العموم!
إن تأبيد الطائفية، كان دوماً هو السلاح الذي أشهرته البرجوازية اللبنانية في مواجهة الماركسية، فبما أن الماركسية هي نظرية للصراع الطبقي، فإنها لا تعمل في أرض الطائفية، لا يمكن تشريح البنية الاجتماعية اللبنانية باستخدام الماركسية، هكذا يحاجج شيحا وتلامذته حتى اليوم، لا توجد طبقات في لبنان، ولا يوجد مجتمع، إن في لبنان طوائف.
لكننا نتساءل، ألا يمارس هؤلاء الناس نشاطاً اقتصادياً، ألا يدخلون في علاقات اجتماعية، ألا يتمايزون لمالك وأجير، مهما كان تخلف البنية الاقتصادية اللبنانية، إن الماركسية تكف عن العمل فقط في المقابر، حيث لا ناس تسعى لأجل رغيف خبز. وبدون أي تبسيط مبتذ ل، فإن الماركسية التي استطاعت تقديم تفسير مادي للتاريخ من أيام المشاعة مروراً بأول تقسيم للعمل أنتج الطبقات إلى يومنا هذا، الماركسية هذه هي التي تستطيع كشف الكذبة البرجوازية اللبنانية، الكذبة التي تلوكها فلول اليسار العربي المستتبع المسحوق المُلحق بشيوخ الطوائف تحت شعارات تكشف فجاجتها أكثر مما تخفي.
هذه الماركسية في لبنان، كانت ولازالت هي نظرية الحزب الشيوعي اللبناني، حزب فؤاد الشمالي وفرج الله الحلو ونقولا الشاوي...، حزب مهدي عامل وحسين مروة وسهيل الطويلة وخليل نعوس وأحمد المير الأيوبي...، حزب سهى بشارة وكمال البقاعي وجمال ساطي وسهيل حمورة ولولا عبود ووفاء نور الدين وعشرات الآلاف انضووا تحت راية الحزب والحرس الشعبي وقوات الانصار وجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، الذين خاضوا ببسالة الصراع السياسي والنظري والعسكري في لبنان، ضد البرجوازية اللبنانية، وضد البرجوازية العربية – التقدمية والرجعية – سندة الصهيونية، وضد الصهيونية بآلتها البربرية، باختصار ضد الامبريالية وكافة خدامها.
هذه الماركسية، هي التي كشفت تهافت الخطاب الطائفي، باعتباره الخطاب الذي – دون أن يخل التبسيط بصياغات الشهيد مهدي عامل – يضمن إعادة الإنتاج المستمر لمقتضيات الهيمنة البرجوازية اللبنانية. وهي الماركسية التي بتجسدها في تنظيم حزبي نضالي استطاعت تقديم مشروع مقاومة عملاقة وملهمة – جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية – التي لم تكن جملة اعتراضية في تاريخ لبنان المقاوم بل إنها المحطة التي تشكلت في أصعب الظروف، بعد خروج الثورة الفلسطينية والتصفية شبه التامة لسلاح الحركة الوطنية، جمول التي تعد بلا أي شبهة انحياز أيديولوجي مأثرة وفاتحة كل الانتصارات التالية. إن جمول، الإنجاز الجبهوي الأهم للشيوعيين العرب عبر تاريخ نضالهم المرير، لهي شهادة حية معجونة بالنار والدم، على الإمكانية الواقعية لتشييد مشروع مقاومة عابر للطوائف. ففي زمن الرِدة على الماركسية، زمن تمرير الطائفية في أردية مخادعة، يمكننا أن نقول بملئ الفم أن مشروعاً للمقاومة يتعدى حدود "الطائفة" ممكن، أي أن الطائفية ليست قدراً، إن وجود الحزب الشيوعي اللبناني لهو إثبات على ذلك. ممارسة الحزب الشيوعي اللبناني للسياسة في زمن السلم اللبناني كما في زمن الحرب، لم تنبني على بنية طائفية ولا خطاب طائفي، بل كانت بنية الحزب وبنية الحرس الشعبي وقوات الأنصار بنية طبقية بامتياز، لقد كان الحزب يخوض الحرب الطبقية في بركة الطائفية البرجوازية الآسنة، وكان انخراطه في الحرب الأهلية يعطيها كل معناها الصحيح، معركة طبقية ضد الطائفية أي ضد مشروع البرجوازية اللبنانية التصفوي الاستسلامي.
إن هذا ما كان يعنيه وجود الحزب الشيوعي اللبناني عبر تاريخه، وهذا ما يجب أن يظل معنى وجوده، أنه النفي القطعي الدلالة لصحة المقولات البرجوازية القائلة بلا تاريخية المجتمع اللبنانية ولا تاريخية الظاهرة الطائفية في لبنان. من هذا المعنى وبسببه يتعرض الحزب للتجريح، للتشويه، بل ويتعرض تاريخ جمول – المقاومة الوطنية – لمحاولة الطمس، ويتعرض كل تراث الحزب للتهجمات من اليمين الديني بتنويعاته، ومن فلول كفرت بالماركسية – نشك حتى في استملاكها للماركسية والتمكن من فهمها – أو كُفِّرت بالماركسية فراحت تحاول نقضها لصالح تنويعات على أيديولوجيا البرجوازية، أو لصالح تنظيرات مثالية تخطتها الماركسية تاريخياً. إن مجرد وجود الحزب الشيوعي اللبناني كرقم في السياسة اللبنانية هو دحض للطائفية.
لذلك فإننا لا نكتفي بالتبريكات في ذكرى التأسيس، ولا نكتفي بالكلمات الحماسية، بل إننا نجد في أنفسنا الجرأة كي نتوجه بالتحية للحزب وكافة منظماته، ونرفع صوتنا بالتشديد الرفاقي على ضرورة تعزيز وتكثيف التثقيف الماركسي على كافة منظمات الحزب، إن الماركسية هي ما تفزعهم لأن الحقيقة تفزعهم، نرفع صوتنا بالتشديد الرفاقي على الحفاظ على التماسك التنظيمي، على ضرورة تحصين الحزب من عدوى منظمات المجتمع المدني، إن الحزب ليس نادياً للنقاش ولا رابطة ألتراس، بل هو منظمة كفاحية ذات حدود وأُطر واضحة تزداد وضوحاً كلما استملكت سلاحها النظري من مستوى العضو المرشح إلى المستويات المركزية.
إن الأزمة العميقة التي يمر بها اليسار الماركسي العربي تحتاج لكل جهد ماركسي من أجل تخطيها، والحزب الشيوعي اللبناني بما يمتلكه من إرث نظري وكوادر يتحمل مسؤولية ضخمة إزاء تطوير الوضع الماركسي العربي من أجل الوطن الحر والشعب السعيد!
تحية للرفاق في عيدهم!

 

  • العدد رقم: 409
`


راجي مهدي