من أجل جامعتنا.. كلنا فرج الله حنين

مرة جديدة يُدخل النظام الطائفي البلاد في أزمة إقتصادية تتجلى صورها في مشروع الموزانة التقشفية التي تطال معظم الفئات الشعبية المتوسطة والمنخفضة الدخل، عبر زيادةٍ مبطنةٍ في الضرائب وعبر خفض التقديمات الإجتماعية. و هذا ما يعني إنحيازاً واضحاً من السلطة الحاكمة لصالح أصحاب رؤوس الأموال والمصارف. وللتذكير فإن هذا الإنحياز ليس بجديد، فهو في صلب سياسات الدولة الإقتصادية منذ تسعينيات القرن الماضي ولكنه يتجلى اليوم أمامنا بطريقة أكثر وحشية.

وبالطبع فإن الجامعة اللبنانية تعتبر من أهم المكتسبات الإجتماعية، فهي التي تتيح للطلاب من أبناء الفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة الحصول على التعليم العالي بجودةٍ كبيرة وبأقساط رمزية. و هنا يأتي السؤال : لماذا تضرب الجامعة الللبنانية بهذا الشكل و لمصلحة من؟
للإجابة على هذا التساؤل علينا التدقيق قليلاً في طبيعة هذا النظام وآليات عمله لفهم كيفية تقديمه للحقوق المشروعة لأي مواطن من تعليم وطبابة ووظائف وغيرها... إذ أن هذا النظام يقدم للناس بعضًا من حقوقها ولكن بطريقةٍ إستنسابية، أي عبر ما يعرف ب"مكاتب الخدمات الإجتماعية" لأحزاب السلطة التي تقدم الخدمة للمواطن على نفقة الدولة لكن عبر المكتب الحزبي فيأخذ الحزب مكان الدولة، فتتردد دوما على مسامعنا و في الأوساط الشعبية عبارة:"الدولة مقصرة ولكن هذا الحزب أو ذاك الزعيم بيخدم". وكأن الدولة جسم غريب شرير منفصل عن القيمين عليها، وهذا ما نجحت السلطة السياسية في تصويب الوعي العام للجماهير نحوه.
ويكاد يكون الناجي الوحيد من هذا الواقع هو الجامعة اللبنانية، فبالرغم من ضرب إستقلالية الجامعة وربط تعييناتها بمجلس الوزراء وسيطرة أحزاب السلطة عليها ومحاولة فرض أمر واقع فيها، حافظت هذه الجامعة على تقديم العلم والمعرفة للطلاب تحت مبدأ الحق بالعلم لكل الطلاب على إختلاف إنتمائاتهم وهذا ما يتعارض مع سياسة السلطة الحاكمة. ومن هذا المنطلق بدأت السلطة بضرب الجامعة وإهمالها والتآمر عليها. وفي نفس الوقت بدأت بتحضير البديل من خلال بناء الجامعات الخاصة الطائفية والمناطقية ذات الأسعار المنخفضة نسبيا، والتي يستطيع الطالب فيها الحصول على منحة تعليمية من حزبٍ طائفي أو زعيم مناطقي لمتابعة علمه، وهذا صلب الموضوع، أي تحويل التعليم العالي من حقٍ مشروع تقدمه الدولة عبر الجامعة اللبنانية إلى خدمة يقدمها مكتب حزبي عبر جامعته وحرمان كل فقير معارض للأحزاب الطائفية من هذا الحق، مما يعزز ويزيد الإرتباط الزبائني بين السلطة السياسية والمواطنين ويجعل من الطلاب خط الدفاع الأول عن هذا النظام الفاسد بدلا من أن يكونوا رأس الحربة في حركة التغيير والتطور داخل هذا الوطن.
رغم كل هذه التشابكات والوقائع الإقتصادية والسياسية يلمع بصيص أملٍ جميل، يخرق سوداوية هذا المشهد ويعيد خلط الأوراق، وهذا الأمل يتمثل في حركة طلابية واعية وواعدة لم يشهد لها لبنان مثيل منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث قررت الوقوف جنبا إلى جنب مع الأساتذة المستقلين بقرارهم لهدف واحد يتمثل في حماية الجامعة الوطنية.
أما إضراب الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية فيمكن تقييمه على له نجاح حتى قبل تحقيق أي مطلب، إذ خلق الظروف الموضوعية لتشكيل هذه الحركة الطلابية التي ما لبثت أن تطورت بوعي كبير لتصيغ مطالبها الخاصة خالقةً لنفسها ظرفاً موضوعياً جديداً يكرس الحاجة لوجودها وإستمرارها رأس حربةٍ في الدفاع عن الجامعة.
هذه الجامعة التي إنتزعت نشأتها من السلطة السياسية الحاكمة بنضالات الطلاب والأساتذة في زمن تأسيسها، أصبح شهيدها الاول فرج الله حنين أيقونة للحركة الطلابية. أما اليوم فسيفرض نضال الطلاب والأساتذة على هذه السلطة الحاكمة إستمرارية الجامعة وتطويرها لتبقى منارة في العلم و شوكة في أعين من يريد التخلص منها ليعيدنا إلى المربع الأول، يوم قال أحمد الأسعد للجنوبيين:" شو بدكن بالمدرسة كامل عم يتعلم". و نحن اليوم نختصر صراعنا مع هذه الطبقة السياسية الحاكمة بعبارةٍ واحدة :" كلكم أسعديون و كلنا فرج الله حنين".. وللصراع تتمة.
*مسؤول الطلاب في الحزب الشيوعي اللبناني

  • العدد رقم: 360
`


علي إسماعيل