بعد مئة عام على لبنان الكبير

من المعروف أنّ لبنان الكبير، قد أعلن الجنرال الفرنسي غورو في قصر الصنوبر في بيروت، عام 1920 نشوءَه. وقد ارتبط هذا النشوء كدولة، بمضمون اتفاق سايكس- بيكو عام 1916، الذي يرمي إلى وراثة تركة "الرجل العثماني المريض" وتقسيم وتقاسم منطقتنا بين فرنسا وبريطانيا، عند انتهاء الحرب العالمية الأولى. وقد جرى تحت تأثير الانتداب الفرنسي وفي ظل سلطته، بدء تشكل النظام السياسي والتمثيل والتوزيع الطائفي في مواقع السلطة، وكذلك الوضع الاقتصادي وميزاته ووجهة نموّه. ومن الطبيعي أن يتركز دور سلطة الانتداب على خدمة مصالحها ومصلحة بلدها وأهدافه في لبنان والمنطقة سياسيّاً، وأن يبقى الاقتصاد اللبناني في موقع ضعفٍ وتبعية، في حدود ما تراه مصلحةً لها، وللمركز الرأسمالي عالميّاً، وليس وفقَ حاجات شعبنا وإمكانيّاته وميزات بلدنا.

لكنّ الذي لم يكن طبيعيّاً وليس كذلك، هو أنْ يستمرّ الوضع على النمط نفسه في سياسات وممارسات الطبقة السلطوية بعد الاستقلال. فقد تضخّمت سلبيات هذا النمط في النظام السياسي، وترافقت بتنظيرات تبريرية للطائفية واستولدت معايير جعلت السمة الطائفية تطغى في كل مفاصل الدولة. ممّا خلق انقساماتٍ وحذرٍ وخصومةٍ داخلية وحروبٍ أهلية، وبروز خللٍ بنيويّ دائم، ينتج مشكلاتٍ وأزماتٍ متفاقمة انعكست في مختلف مجالات حياة شعبنا وبلدنا، حالت دون تكوين دولة حديثة متماسكة، وبناء وطن. كما نجم عن ذلك تعقيدات وعقبات كبيرة حتى في تشكيل السلطة وعملها ودور الدولة.
وكان من نتيجة النهج الاقتصادي السلطوي القائم على أساس "الاقتصاد الحر" إطلاق يد أرباب المال والاحتكار، في استغلال الشعب، وجني الربح السريع والثراء الفاحش، وإفقار الأكثرية الساحقة من شعبنا، بمن فيهم الطبقة الوسطى، وإبقاء البلد ووضعه الاقتصادي، خصوصاً القطاعات المنتجة، في حالة ضعف وتراجع، وتقلص فرص العمل، وتبعية اقتصادية من جهة، وتفشّي الفساد وتزايد العجز والمديونية من جهة أخرى، وازدياد الهوة بين الطبقات الاجتماعية والتفاوت بين المناطق.
وبدلاً من اعتماد سياساتٍ جديدة تحدث تغييرات أساسية في بنية النظام السياسي لصالح إقامة دولة ديمقراطية علمانية، ولتلبية حاجات شعبنا في المجال الاقتصادي والاجتماعي، وإحلال التحسّن والنهوض، بدلاً من الهبوط المستمر الذي أوصلنا إلى خطر الانهيار، واسترداد المال العام المسروق أو خمسين في المئة منه، للاستغناء عن أيّ رسوم وضرائب جديدة على الشعب، نجد بما يجري عكس ذلك. فالاتجاه السلطوي هو تحميل الناس عبء الأزمة المتفاقمة وزيادة إفقارهم، وترك أبواب الصفقات والفساد للكبار مفتوحة، واستبعاد المحاسبة، ونظام ضرائبي تصاعدي ضروري.
إنّ تقاسم وتقسيم المنطقة الذي أدّى إلى نشوء الدول العربية القائمة، قد ترافق مع وعد بلفور البريطاني، وتنفيذه بغرس الكيان الصهيوني في الجسم العربي عام 1948، وتشريد الشعب الفلسطيني بقوة المجازر من أرضه. لكنّ المخطط الأميركي الصهيوني حيال منطقتنا في هذه المرحلة، وبعد مئة عام على مفاعيل سايكس بيكو، يرمي إلى تقسيم المقسّم ويستخدم كل الوسائل والأشكال، من عدوانية الكيان الصهيوني، إلى التنظيمات الإرهابية، وتوفير الدعم المالي لها من السعودية والخليج، والتدريبي والتسليحي من الولايات المتحدة، لخلق نزاعات وحروب داخلية على أساس ديني ومذهبي وإثني بغية تفتيت هذه البلدان وإقامة الشرق الأوسط الجديد، وتصفية القضية الفلسطينية وحق عودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه ووطنه، وذلك بتمرير صفقة القرن، والسيطرة المديدة على منطقتنا ونهب ثرواتها. وتستدعي مواجهة خطر مخطّط التفتيت هذا، تعزيز وحدة البلد ومناعته وهذا لا يتحقّق في ظل الدولة الطائفية وتناقضاتها.
فهل ما طرحه الرئيس ميشال عون في رسالته بمرور مئة عام على لبنان الكبير، مرتبط بخطوات عملية لإخراج لبنان من دوامة الأزمات والتراجع، وإقامة الدولة المدنية على أساس المواطنية والديمقراطية، ومعها مكافحة الفساد، أم أنّ ما حملته الرسالة الرئاسية هو مجرد تعبير عن وجهة نظر؟

 

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 364
`


موريس نهرا