فوز ممداني اختبار حقيقي لليسار الأميركي

"لطالما كانت نيويورك مدينة المهاجرين، وستبقى مدينةً للمهاجرين، والآن سوف يحكمها أحد ابنائها المهاجرين" - زهران ممداني في خطاب الفوز بالانتخابات.

فاز المرشح التقدمي زهران ممداني برئاسة بلدية مدينة نيويورك التي يبلغ عدد سكانها حوالي 9 مليون شخص، متفوقاً على المرشح المستقل الخارج من الحزب الديمقراطي اندريه كومو والمرشح الجمهوري كورتيس سليوا، حاصداً أكثر من مليون صوت من أصل حوالي مليوني مقترع في المدينة.
وفيما سارعت العديد من المواقع العربية والمحلية للتباهي بأصوله المسلمة، كان من الواضح أن ممداني فاز بمضمون حملته السياسي، وهو الذي يعرف عن نفسه كاشتراكي ديمقراطي، حيث نال دعم اليسار والتقدميين والأقليات العرقية (السود واللاتينيين)، والمسلمين، وعدد وازن من الناخبين اليهود.
تجدر الإشارة إلى أن مدينة نيو يورك تضم أكبر تجمع سكاني لليهود خارج فلسطين المحتلة حيث يشكلون حوالي 15-20% من سكانها أي حوالي مليون ونصف مليون مواطن فيها، فيما يشكّل المسلمون أقلّ من 10% من الناخبين بالإضافة إلى حوالي 20% من اللادينيين، وحوالي 50% من المسيحيين، وغيرهم. أما عرقياً، فيتوزع أهل المدينة بين البيض (30%) واللاتينيين (30%) والسود (20%) والآسيويين (15%) وغيرهم.
خاض ممداني معركةً انتخابية استثنائيةً طرح خلالها شعارات جذرية في كل القضايا، وجاهر بدعمه ومناصرته لفلسطين وأعلن رفضه زيارة إسرائيل كعمدة نيويورك، بعكس العرف الجاري حيث زار كل من سبقه الكيان في أول زيارة خارجية، لكسب الدعم الصهيوني. كما وصف الحرب الإسرائيلية بالإبادة الجماعية ووعد بإلقاء القبض على نتنياهو إذا زار المدينة، معلناً التزامه بالقانون الدولي وقرارات المحكمة الجنائية الدولية في هذا المجال.
أما على الصعيد الداخلي، فأعلن نيته تجميد الإيجارات الباهظة في المدينة، التي يعيش جزء كبير منها في شقق الايجار، وعزمه على جعل خدمة النقل العام في الباصات مجانية وحديثة وسريعة، وتعزيز التقديمات الاجتماعية وتمويل هذه المشاريع من الضرائب على الثروات الكبرى، وكذلك التزامه بالدفاع عن المهاجرين واللاجئين ومجتمع الميم، والفئات العرقية والاثنية الأكثر حرماناً في المدينة.
بهذا المضمون اليساري، خاض الاشتراكي الديمقراطي ممداني حملته، حائزاً على دعم الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي مثل السيناتور بيرني ساندرز والنائبة ألكسندرا كورتيز، فيما تطوّع الكثيرون من قيادة الحزب الديمقراطي الرسمية لدعم منافسه كومو، تماماً كما فعل الرئيس ترامب الذي هدد بقطع التمويل الفدرالي عن المدينة بحال فوزه، معتبراً أن زهران ممداني شيوعي ومجنون ولا يجب السماح له بالوصول إلى رئاسة بلدية مدينة نيويورك – التي ولد ونشأ فيها ترامب وراكم فيها ثرواته الأولى.
الآن، وقد فاز ممداني بثقة شعبية واسعة ومتنوّعة، تبقى العبرة بمدى قدرته على الالتزام بوعوده، في ظل ضغوط سياسية وإعلامية، ووسط حملة تهويل وتدجين واسعة، وأيضاً بمدى قدرته على تظهير وتأطير هذا التحالف الاجتماعي الذي أتى به والبناء عليه نحو تيار سياسي تقدمي واسع في الولايات المتحدة، وليس فقط في حدود المدينة لمواجهة السياسات العنصرية والعدوانية للإدارة الأميركية.

*مسؤول العلاقات الخارجية في المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني

  • العدد رقم: 430
`


عمر الديب