السلطة الفلسطينية للمفاوضات والعدو الصهيوني للاحتلال والاستيطان

أجمع المراقبون والمحلّلون السياسيون على أنّ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وفي خطابه في جمعية الأمم المتحدة، لم يكن على مستوى الحدث والتوقّعات المرتقبة، كردٍّ على صفقة القرن لوكيل وسمسار العقارات كوشنير صهر الرئيس ترامب، ورأس حربة مشروع المحافظين المتطرفيين الأميركيين ومجمع الصهيونية المسيحية الأميركي.

لقد كان خطاب عباس، عبارة عن تكرار لما سبق و قدّمه لمجلس الأمن في شباط/ فبراير عام 2018، وما أطلق عليه "رؤية الرئيس". ويبدو أنّه مازال متمسّكاً بها حتى هذه اللحظة، ولم يهز من قناعاته شيئاً، لا صفقة القرن، صفقة ترامب- نتنياهو، ولا تجربة اتفاق أوسلو المريرة. فالتاريخ توقّف عنده، ويردّد عبارة المفاوضات وفقط بالمفاوضات، كشريط تسجيلي يكرّر ويعيد نفسه، في حين كانت الانتفاضات الفلسطينية تندلع في الأراضي الفلسطينية ضدّ العمليات الاستعمارية الاستيطانية التي شملت كل الأراضي الفلسطينية ولا تزال، وخاصة في الضفة الغربية والمدن والقرى.

أعلن عباس تمسكه بالمفاوضات، في حين تُقدّم له صفقة القرن حوالي10 في المئة من الأراضي الفلسطينية لإقامة دار للبلدية لإدارة شؤون الفلسطينيين وتحت مراقبة وسلطة الاحتلال، في حين العدو الصهيوني اليوم ، يعلن عدم رغبته في العودة إلى المفاوضات الثنائية، حتى ولو انعقدت دون شروط فلسطينية، فهو اليوم بالتحديد يتمسّك بالمفاوضات في إطار اقليمي، ومنهمك بترتيبات إقليمية مع بعض الدول العربية، وإنجاز ترسيم العلاقات الثنائية، حيث تقدّمت بأشواط، ولم يعُد أصلاً لدى محمود عباس من شيء يفاوض عليه!

لا سيّما وأنّ الإدارة الأميركية، تحاول الآن توفير الأجواء الاقليمية، لاستكمال العملية الاستيطانية، وقد أدخلت إدارة ترامب الاعتراف بضمّ الجولان إلى الكيان الصهيوني وسيادته عليها، وتحت سقف أوسع اعتراف دولي ممكن. ويطرح حاليّاً نتنياهو الآن ضم غور الأردن طالما أنّ صفقة القرن تشمله مع قسم من شاطئ البحر الميت. رئيس السلطة الفلسطينية يريد المفاوضات مع العدو الصهيوني رافعاً لاءاته المعروفة "لا عودة الى السلاح لا تصعيد للانتفاضة"، في حين نتنياهو يرد على ذلك بالقول "هناك عدّة مبادىء توجهني بالنسبة ليهودا والسامرة (أي الضفة الغربية)، أولاً، هذه بلادنا ووطننا، وثانياً، نحن سنواصل تطويرها وبناءها، ثالثاً، في أي خطة سياسية لن يتم اقتلاع أي بلدة، ولامستوطن واحد، رابعاً، الجيش والأجهزة الأمنية ستستمر في السيطرة على المنطقة بين البحر والنهر، خامساً، أنا أعمل من أجل التوصل إلى اتفاق دولي على هذه المبادئ. أنظروا ماذا فعلنا في هضبة الجولان، وماذا فعلنا في القدس، والقادم سيأتي لاحقاً". إذأً، على ماذا يريد محمود عباس التفاوض؟!

كان على عباس في الأمم المتحدة أن يقول كلمة ينتظرها الشعب الفلسطيني، كي يحفظ له ما تبقى من حسّ وطني وهو في آخرالعمر: تعليق اتفاق أوسلو والاعتراف بدولة "إسرائيل"، والإعلان عن دولة فلسطينية، وإيقاف التنسيق الأمني سواء مع قوات الاحتلال أو من كان راعياً للمفاوضات أي مخابرات الإدارة الأميركية، مذكّراً على الاقل، بقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية وحق العودة لجميع اللاجئين إلى الأراضي التي هُجّروا منها.

كلّ ما تقدم يشي بأنّ خطاب عباس في الأمم المتحدة، ومواقف القيادة الرسمية الفلسطينية، والرهان على استئناف المفاوضات كخيار سياسي وحيد، والقول "أيدينا ممدودة للسلام" يصلح لصلح عشائري، بين عائلتين أو بين قبيلتين متحاربتين، وليس بين كيان غاصب احتلّ واستوطن بالقوة ارضاً، واقتلع شعباً من أرضه ووطنه ويمارس على من تبقى منه هواية القتل اليومي للأطفال والنساء والشباب وكبار السن.

ليس أمام الشعب الفلسطيني اليوم إلا خيار واحد، أنّ المفاوضات لم تحرّر شبراً واحداً من فلسطين، وما لم يتحرّر بالمقاومة بعد لا يتحرر إلّا بمزيد من المقاومة ومهما بلغت التضحيات.

 

  • العدد رقم: 373
`


خليل سليم