وثائق تكشف تحريض الانكليز على إبادة الشيوعيين في اندونيسيا

كشفت صحيفة الغارديان البريطانية عن وثائق سرية تؤكد ضلوع الاستخبارات البريطانية في حملة دعائية ضد الحزب الشيوعي الاندونيسي، احد كبار الاحزاب في العالم حينها، والتي نجمت عنها مجزرة فظيعة ذهب ضحيتها الالاف من المناضلين الحزبيين والمناصرين وحتى العائلات الغير منخرطة بالسياسة بشكل مباشر. هذه الجرائم ليست وحيدة في تاريخ الاستخبارات والجيش البريطاني، فهي واحدة من بين جرائم لا تعد ولا تحصى في سجلات "الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس". نعطي في هذا المجال أمثلة كثيرة من ايرلندا وقمع الحركات التحررية هناك خصوصاً في اواسط السبعينيات مع "السجن بلا تهم" الى الهند  مروراً بمصر وصولاً الى مؤامرة وفاة الاميرة دايانا... كلها محطات دموية في تاريخ العرش البريطاني.

وقد نجم عن الحملة الدعائية التي شنتها بريطانيا، ما يعد من احدى المذابح الأكثر وحشية في القرن العشرين. إذ قام مسؤولون بريطانيون بتفعيل "الدعاية السوداء1" في الستينات لحث الإندونيسيين على التخلص من  "السرطان الشيوعي". 

من المقدر ان حوالي الـ 500,000 شخص من ذوي الصلات مع الحزب الشيوعي الإندونيسي قد لقوا حتفهم ما بين عامي 1965 و1966.

في وثائق تم الإفراج عنها تابعة لوزارة الشؤون الخارجية البريطانية، يظهر أشخاص كُلفوا بالعمل على الترويج لمعاداة الشيوعية، من بينهم قياديين في الجيش الإندونيسي، مهمتهم القضاء على الحزب الشيوعي. وتظهر الوثائق أن هذه الحملة ضمت عملية اللإبادة الجماعية العفوية2، التي تبين لاحقاً أنها كانت من تدبير الجيش اللإندونيسي. 

مع بدء المذابح في تشرين الأول عام 1965، دعا المسؤولون البريطانيون للقضاء على المؤسسات الشيوعية وعلى الحزب تباعاً، محذرين من خطر الشيوعيين على الأمة ان لم يوضعوا عند حدهم ويُعاقبوا. 

شنت بريطانيا حملتها الدعائية الهجومية ضد إندونيسيا، رداَ على معاداة الرئيس سُكارنو للمستعمرات3 السابقة في الإتحاد الملايو، ما أدى الى بعض الإشتباكات الخفيفة في عام الـ 1963 على الحدود الإندونيسية. بعد ذلك بعامين، تم إرسال مختصين بالحملات الدعائية من قبل وزارة الشؤون الخارجية الى سينغافورة لإنتاج مواد دعائية من شأنها التشكيك بحكم الرئيس سكارنو، الذي كان حائزاً على دعم الحزب الشيوعي وحركة المواجهة آنذاك. 

في منتصف العام 1965 كانت العملية بأوجها. إلا أنه تمت محاولة إنقلاب بالتنسيق بين مسؤولين يساريين وأفراد من الحزب الشيوعي، نتج عنها مقتل سبعة قياديين في الجيش الإندونيسي. وهذه المحاولة كان لها الأثر الأكبر في تغيير مجرى الأحداث. 

محاولة الإنقلاب هذه تم دحضها من قبل رئيس اندونيسيا القادم الجنرال سُهارتو، الذي أقدم بعد ذلك على تسلم زمام الحكم تدريجياً من سُكارنو، ومن ثمة القضاء على الحزب الشيوعي الإندونيسي. 

دعا مروجوا البروباغندا الى "دحض الحزب وكل ما يمثله، والقضاء عليه أبداً، كونه يؤدي  الى دمارنا."

 تلا ذلك أسابيع من القتل المتعمد للأفراد المنتسبين للحزب الشيوعي ولأشخاص آخرين يساريين.

ليس هنالك أي مكان للشك بمدى معرفة الدبلوماسيين البريطانيين بحقيقة ما كان يجري، حيث أن مقر خفر السواحل البريطاني كان يقاطع البرقيات التي تصل الى الحكومة الإندونيسية ويقوم بقراءتها، كذلك مركز المراقبة في سنغافورة مكّن البريطانيون من تتبع الوحدات العسكرية المسؤولة عن كبح الشيوعيين. 

كذلك تبعاً لما يقوله الدكتور دنكان كامبل، صحافي استقصائي ومختص بقوات خفر السواحل البريطانية، أنه كان لدى البريطان تكنولوجيا تمكنهم من تحديد مواقع القياديين في الجيش الإندونيسي والوحدات التي يتم أرسالها. 

في رسالة الى السفير البريطاني في جاكارتا من منسق للشؤون الحربية السياسية ومختص في الدعاية السياسية في وزارة الخارجية البريطانية يدعى نورمان ريدواي، وكان قد وصل الى سنغافورة عقب محاولة الإنقلاب، تم الكشف أن هذه السياسات كانت تهدف الى إخفاء حقيقة أن هذه المجازر تمت بتشجيع من القياديين.

تقول تاري لانغ، التي كانت حينها في سن المراهقة في اندونيسيا، والتي تم سجن والدها ووالدتها كارمل بوديارجو وهي ناشطة في حقوق الإنسان، أن الوثائق مروعة وعلى الحكومة البريطانية تحمل مسؤولية بعض ما جرى. كذلك تعبر لانغ عن غضبها جراء ما فعلته حكومتها، الحكومة البريطانية. ولعدم وقفهم العنف بمجرد أن  بدأ. 

يعتبر ريدواي أن سقوط سوكارنو من أعظم إنتصارات البروباغندا البريطانية. وفي رسالة كتبها بعد سنوات، قال "إن تشويه سمعة سوكارنو تمت بنجاحٍ سريع، مواجهته كانت قد كلفتنا 250,000,000 جنيه إسترليني سنوياً. بينما العمل على إزالته تم بأقل تكلفة بعد البحث وفي ستة أشهر."

ووفقاً للبروفيسور سكوت لوكاس، فإن الوثائق التي رفعت عنها السرية "تظهر كيف إستمرت الدعاية المركزية والبروباغندا السوداء في السياسية الخارجية البريطانية في فترة ما بعد االحرب وفي عملياتها الخارجية. مضيفاً "كانت هذه طريقة غير مكلفة تسمح  لبريطانيا بإظهار نفوذها، حتى ولو كان هذا التأثير لا يمكن الإعتراف به علناً."

ختاماً، يمكننا التوسع بعد هذا العرض لربط ما كشفته الغارديان، من صفحات جديدة في سجل الممارسات الاستخباراتية البريطانية الطويل، بواقع حالنا في لبنان وخاصةُ في موضوع الرقابة الاستخباراتية على الجماعات السياسية. صدر في هذا الخصوص كتاب من اعداد حسن خليل وعلي مزرعاني عنوانه "الحزب الشيوعي اللبناني في اوراق الامير فريد شهاب". يستفرد هذا الكتاب بالكشف عن مستندات الامير فريد شهاب (مدير الامن العام السابق بين عامي ١٩٤٨ و١٩٥٨) الشخصية المتعلقة بالحزب الشيوعي اللبناني. 

تنكشف الينا تقارير كثيرة مكتوبة بخط اليد أو على الداكتيلو هي عبارة عن تقارير استخباراتية لبنانية عن الحزب الشيوعي ونشاطه ومنتسبيه وإجتماعاته التي كان من المفترض ان تكون سرية. هذا يظهر لنا مدى ترابط الممارسات الاستخباراتية والبوليسية حول العالم المبنية على القمع والترهيب والترغيب والملاحقة ودس الدسائس والعملاء والمخبرين. يكاد المرء يصاب بالصداع من كثرة الاسماء والتنويهات على الهامش والاسهم والملاحظات. كان رجال المخابرات يعملون كخلية نحل لمراقبة اصغر تحرك يقوم به الحزب. 

كان الخطر "البلشفي" شغل الاستخبارات الشاغل في حينها مدعومين من جهات غربية في اطار المشروع العام لردع الشيوعية ويجدر بنا الذكر أنه كان لشهاب صدقات كبيرة في الولايات المتحدة الاميركية ودول الغرب عموماً، كيف لا؟ وهو وكيلهم المعتمد وعينهم الساهرة في جمهورية الحرية الزائفة. ها يمكننا الاستخلاص اذاً ان الدول تتعدد والممارسة واحدة، من لندن الى بيروت نهجٌ استخباراتي واحد وعقلية قمعية رجعية واحدة. لكن من أحياء "ايست اند" الى احياء بيروت المفقرة، إرادة تحرر موحدة ستهدم الانظمة القائمة وترفع فوق ردمها أنظمة حرة يكون فيها الانسان حر طليق لا عصفوراً "حر" أن يتنقل ضمن "القفص".

 

1 – black propaganda

2- spontaneous mass murder

3- President Sukarno was hostile to Britain’s former formation of colonies onto the Malayan federation