أول أيار عيد عرس الحرية!..

كان أول أيار أحب الأعياد إلى عمر فاخوري.. فلم يدع المناسبة تفوته دون أن يحتفل بهذا العيد الذي قال فيه:
"لقد أنقذ العمّالُ الحريةَ في العالم، فليس بدعاً أن ينتظرَ منهم أن يحفظوا الحريةَ في لبنان.. ليس أولُ أيار عيدَ العمّال وحسب، فهو أيضاً عرسُ الحرية. وإنما هو عرس الحرية، لأنه عيدُ العمّال...!".

ولقد حاولت دولة أعداء الحرية أن تحوّلَ العرسَ في كل عام إلى مأتم... فكانت المحاكمُ "تعاقب" كلَّ من يُقبَض عليه بالجرم المشهود يوزّعُ منشوراً لمناسبةِ عيدِ العمّال..
فكانت المحاكمُ تذكّرُنا بأحكامِ قراقوش.. وكنّا نردُّ على أحكامها القراقوشية بالشعاراتِ المناسبة في العيد وكانت الجدرانُ صحافتَنا لا تحتاج في إصدارها إلى مرسوم ولم تكن تخضع للرقيب!
ولكن أين هو صاحب العيد؟ وهل يصح أن الذين أخذوا محل قراقوش، هم الذين يحتفلون بالعيد بينما صاحب العيد يبحث عن عمل؟ هنا أو هناك، في الأسواق وفي المعامل.. والمؤسسات؟
لقد خطر لي أن أسأل: أين؟ وبالأمس، سألني أحد الأصدقاء: أما زلت تبحث عن صاحب العيد؟ فقلت مجيباً: أجل، وفي كل عام يكبر هذا السؤال! ويجب أن يكون الجواب أكبر...
إني بتّ أبحث عن صاحب العيد، في الأسواق، في المعامل، في المدارس والجامعات، في أكواخ الفقراء كما فعل عمر فاخوري، لكنني كنت حيثما بحثت أسمع من يسألني: أين هو؟ أما تزال تبحث وتسأل؟ فقلت مجيباً: إسمع يا صاحبي، إن هذا السؤال ما زال يكبر كل عام! فلماذا لا يكون الجواب أكبر؟!
أجل لماذا؟ وكيف يجوز أن يكون غير ما هو، ولا يصح أن يعود بنا إلى محكمة قراقوش!.. حيث صاحب العيد ما زال يبحث هو الآخر عن عمل مفيد!
ولنعد الآن إلى ذكريات صاحب عرس الحرية، فنراه خارجاً من السجن إلى حيث يحتفلون في مناسبة هذا العرس... منذ ذاك الحين أشياء كثيرة ووقائع تاريخية، وأهداف اجتماعية... وفقت بعضها مجتمعاً وبعضها متفرقاً.. وفي تلك الأثناء جاء إلى لبنان زائراً، النائب الشيوعي الفرنسي جاك غريزا، فكتب عمر مُرحّباً، وكان ما كتبه في أول أيار:
"نريد وطناً يحب ذاته ويحترمه الآخرون.. يعرف كيف يحب ذاته وكيف يفرض احترامه على الآخرين!"
لكن مهلاً يا صاحبي، سيصاب مقالي بعيب النقصان ما لم أتدارك هذا النقص بما ختم فاخوري كتابه "أديب في السوق"، فنردد بعده:
"أشياء كثيرة تتغير في هذا الوطن الذي يريده بعضهم متحفاً للماديات ويأبى إلا أن يكون وطناً للجماهير التي تكدح... تتألّم... وتحلم".

  • العدد رقم: 357
`


ميخائيل عون