المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي الصيني: قرن من الإنجازات والتحديات

ينعقد المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي الصيني وسط تحديات خارجية متعددة من أبرزها التوتر القائم الذي يتعلق بتايوان وتحديدا بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي "نانسي بيلوسي" وما أعقب هذه الزيارة من توترات في العلاقات الصينية الأمريكية. هذا بالإضافة إلى تأثير وباء "كورونا" على الاقتصاد الصيني على المستوى الداخلي.

لهذا المؤتمر أهمية كبيرة وتحديدا في الداخل الصيني، فمن المتوقع أن ينتج عنه عدد من القرارات لا سيما فيما يتعلق بسياسة "صفر إصابات" التي اتبعتها الحكومة الصينية منذ ظهور الوباء عام 2019. هذا بالإضافة إلى أنّ الحزب الشيوعي الصيني وعبر هذا المؤتمر كما هو عادته في المؤتمرات السابقة مهما طال الزمن فلا بد ان تتحول قرارته إلى وقائع. هذا الحزب الذي اتخذ من قاعدة "البلد هو الشعب والشعب هو البلد" وسيلة لتحقيق غايات متعددة كان من أهمها "القضاء على الفقر المدقع".
أثبت التاريخ أن مؤتمرات الحزب الشيوعي لم تضع الأهداف كشعارات حزبية فقط خاصة فيما يتعلق بـ "بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل" ، لا بل كانت جهودا كبيرة تتبع هذه الأهداف الموضوعة كي تتحول الكلمة إلى فعل، وذلك من خلال وضع خطوات تكتيكية واستراتيجية في مختلف المناحي تمهيدا للوصول إلى الغاية الكبرى وهي بناء الصين كدولة اشتراكية حديثة. فكما قال الرئيس الصيني "شي جينغ بينغ": "من السهل الحصول على النية الأصلية ، لكن من الصعب دائمًا تحقيقها". وقد يبدو للكثيرين أنّ هذه الشعارات قد تكون نظرية إلى حد ما ولكن ووفقا للمثل الصيني القديم: "مَن يطلب العلا، يحرز المرتبة المتوسطة"، ولذلك في أسوأ الأحوال إن لم تتمكن الصين من تحقيق أهدافها ستتمكن من تحقيق بعضها وهو ما قد يؤدي إلى تحسّن لا بأس به.
وهنا أيضا لا بدّ من ذكر ما كتبه "لوه تشونغ مين" الأستاذ في علم الاقتصاد حول فن إدارة الدولة إذ قال: "قوة وازدهار دولة ما لا يعتمد على ثروتها وإنما على جوهر هذه الدولة، وكبر مساحة الدولة لا يعنى أبدا عظمتها، وكذلك كثرة التعداد السكاني لدولة ما لا يعني أبدا ازدهارها وقوتها، فعظمة وقوة وازدهار الدول تتمثل في جوهرها ووعيها بذاتها". فكيف إن كان هناك دولة كالصين تملك مقومات السكان والمساحة ووعت بذاتها مطبقة مقولة المثل الصيني: "المآثر الباهرة لا تُسجّل إلا بعزائم ثابتة" وذلك للمضي في استثمار الحاضر من أجل مستقبل أفضل. لنوجز بعضا من شعارات المؤتمرات السابقة والتي أصبحت حقيقة على أرض الواقع، و كان لها أثرا كبيرا على المستوى الحياتي الاقتصادي والاجتماعي للشعب الصيني:
1: التخفيف من حدة الفقر
منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، كان هدف التخفيف من حدة الفقر واضحا، وهو ما حققه الحزب الشيوعي الصيني إذ تمّ الإعلان في مئوية الحزب عن القضاء على الفقر المدقع. الأمر الذي انعكس بالفعل على ثقة الشعب الصيني بقيادته إذ لا بدّ لأي قادم إلى الصين عند الجلوس مع أي فرد من أفراد الجيل القديم أن يسمع عبارت تنمّ عن حجم المعاناة في السابق، عندما عاش معظم السكان حياة البرد والجوع وكان متوسط العمر المتوقع عام 1949 لا يتجاوز الـ 35 عاما فقط، مما جعل الجيل الجديد في الصين يؤمن بحكومته بدرجة عالية. وهو ما رصدته مراكز الدراسات الغربية فقد أصدرت كلية " كينيدي" في جامعة "هارفارد" تقريرا بعنوان "فهم مرونة الحزب الشيوعي الصيني: مسح طويل الأمد للرأي العام" وقد استمر هذا المسح 13 عاما، وجد بعدها الباحثون أن رضا الشعب الصيني عن الحكومة في تحسن مستمر.
وبالفعل فإنّ عملية التخفيف من حدة الفقر جاءت عبر خطط منظمة وعلى مدار سنوات بدءا من عام 1986 عندما وضعت الصين معيار ا بتحديد خط الفقر عند 206 يوان وبلغ عدد الفقراء حينها 125 مليون نسمة وفقا لهذا المعيار، وفي عام 1994 وفقا لمعيار خط الفقر البالغ 500 يوان من الدخل السنوي الصافي للفرد وكان عدد الفقراء في الريف الصيني يبلغ 80 مليون نسمة. وعندما صاغت الصين خطة التنمية والتخفيف من حدة الفقر في الريف الصيني بين عامي 2001-2011 تم رفع معيار التخفيف من حدة الفقر إلى 865 يوان وهو ما يعادل حوالي 94 مليون نسمة من الفقراء. أما في عام 2009 فقد ارتفع هذا المعيار إلى 1196 يوان، وفي عام 2011 انعقد المؤتمر المركزي لأعمال التنمية والتخفيف من حدة الفقر في بكين فقرر أخذ الدخل الصافي للفرد من الفلاحين ب 2300 يوان كمعيار وطني جديد للتخفيف من حدة الفقر أي ما يعادل تقريبا دولارا أمريكيا واحدا لكل يوم، ووفقا لهذا المعيار ازداد عدد الفقراء في البلاد إلىى 128 مليون نسمة.
وقد استمرّت عملية مكافحة الفقر بعد ذلك "ففي بداية القرن الحادي والعشرين طرحت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني هدف بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل وأدخلت تعديلات كثيرة على مهمة التخفيف من حدة الفقر مع الأخذ في الاعتبار المناطق الوسطى والغربية كمناطق رئيسية لهذا الهدف، وتمّ اختيار 150 ألف قرية فقيرة على أساس 592 محافظة فقيرة كأهداف للعمل الوطني لمحاربة الفقر".
ووسطيا يتمكن أكثر من 10 ملايين شخص من تجاوز خط الفقر كل عام، وهو ما يعادل حجم سكان بلد متوسط الحجم. كما أن الناتج المحلي الإجمالي ارتفع من 12.3 مليار دولار في عام 1949 إلى 14.7 تريليون دولار في عام 2020، وزاد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من 23 دولارًا في عام 1949 إلى 10000 دولار في عام 2019.
التمدّن
كان من أبرز التحديات التي واجهت الصين على مدى السنوات الماضية هو الفجوة القائمة بين الريف والمدينة، والتي لم يزل يتم العمل على تقليصها، إذ تؤمن الصين بأهمية الاستمرار في عملية التمدّن ولذلك يوجد اهتمام كبير بتطوير البنى التحتية، لما له من أثر بالغ على تطوير السلوك الاجتماعي للسكان. وقد زاد عدد المقيمين الدائمين في المناطق الحضرية إلى 848 مليونًا في عام 2019.
وقد تكون المواءمة بين موروث المدن والطريقة المتبعة في تنميتها من أبرز خصائص عملية التمدن في الصين، ففي الندوة الخاصة بتعميق الإصلاح على نحو شامل قال الرئيس الصييني "شي جينغ بينغ" ما يلي: "تختلف أنماط الحياة على بعد 100 ميل، وتتباين العادات على بعد 1000 ميل. إنّ ماهية نظام الحكم الذي تختاره أي دولة يقررها التوارث التاريخي والتقاليد الثقافية ومستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية لهذه الدولة ويقررها شعب الدولة ذاتها". وبالفعل تتمتع كل مدينة صينية بخصائص تختلف عن باقي المدن، فقد عُمل على تحويل هذا الاختلاف في الخصوصية إلى ميزة وقيمة مضافة.
وإذا عدنا تاريخيا إلى بناء الصين الحديثة، لا بدّ من الإشارة إلى أنّه ومنذ زمن بعيد تطلّع الحزب الشيوعي الصيني إلى فكرة التنمية المتوازنة لمختلف المدن الصينية، فعلى سبيل المثال في اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني التي عقدت عشية تأسيس جمهورية الصين الشعبية، أشار الرئيس الصيني الراحل "ماو تسي تونغ" إلى أنه يتعين على الحكومة إعطاء الأولوية للمناطق الحضرية بدلا من الريفية. ودعا إلى بذل جهود كبيرة في تعلّم كيفية إدارة وبناء المدن. وبذلك باتت كلمته مبدأ توجيهيا للتحول الحضري في المرحلة الأولى من الصين الجديدة.
ووفقا للباحث "ليو باو كوي" والذي يعمل كمساعد في معهد التخطيط المكاني والاقتصاد الإقليمي للجنة الوطنية الصينية للتنمية والإصلاح. فإنّ عملية التحول الحضري في الصين تختلف عن مثيلاتها في العالم. فقد أدركت الحكومة الصينية العلاقة بين القطاعين العام والخاص، وكذلك العلاقة بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية ولذلك أطلق عليها اسم سياسة التحوّل الحضري ذات الخصائص الصينية.
وهو ما عبّر عنه الرئيس الصيني قائلا: "إذا حاكينا نظام ونمط الآخرين عشوائيا دون مراعاة الظروف المحلية فسنكون على غرار من يرسم نمرا فتخاله كلبا، وذلك النمط المُقلّد لن يسهم في تسوية القضايا الواقعية".
التلوث
وأما في معركة "الدفاع عن السماء" فقد عملت القيادة الصينية على التخفيف من حدة التلوث في عدد من المدن، فبإمكان أي زائر ملاحظة الفرق بين نسب التلوف في يومنا هذا ومثيلاتها قبل عشر سنوات، فقد صُنفت ست مدن صينية من بين أكثر عشر مدن في العالم تلوثا وقد تقلص هذا العدد اليوم إلى ثلاث مدن فقط.
لعلّ أبرز سمات المؤتمرات الصينية هي أن الأقوال تتحول إلى أفعال، وهو ما تم برهانه عبر ما سبق، فالقيادة وفقا للتعريف الصيني أو بالأحرى القيادة على الطريقة الصينية هي اكتشاف جوهر الإنسان والأشياء وحل القضايا بأساليب مناسبة وفي التوقيت المناسبة.
وها هي الصين بعد قرن من الزمن اختبرت فيه جيدا معنى الحرب والاستعمار والتخلف، وعرفت جيدا معنى أن تتعرض للضرب عندما تتخلف عن الركب، قررت الاعتماد على الذات متخذة من "التنمية" كلمة مفتاحية، إلا أنها ليست أية تنمية بل هي تنمية على الطريقة الصينية.
بالتأكيد ستحدد قرارات المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني المرحلة القادمة في الصين سواء فيما يتعلق بالاستمرار بإكمال ما سبق أو إجراء تغييرات على الخطط الموضوعة.

  • العدد رقم: 409
`


لُجين سليمان