حب في زمن الثورة

شخصيات القصة من مدينة صور، أبطال رواية تبدو للوهلة الأولى غير حقيقية. كوثر بدوي من حارة الجورة - ما يُعرف بـ"حارة الإسلام"- حائزة على إجازة جامعية لتعليم اللغة الانكليزية عام 2018 وتبلغ من العمر 22 سنة. كانت تعمل في مقهى ستاربكس على الكورنيش البحري لمدينة صور قبل 17 اكتوبر. بدأت مسيرتها الثورية ليل الخميس عندما خرجت من المقهى لتسير مع التظاهرة الشعبية فطُرِدت من عملها في اليوم التالي. كوثر تملك صوتاً جميلاً وهي من "هتّافات" صور.

الياس برادعي هو الشخصية الثانية في هذه الرواية، شاب عشريني من ما يسمّى بـ"حارة المسيحية" في صور. هو طالب جامعي في تصميم الغرافيك ويتلقّى تدريبات عديدة في التمثيل. كبطل رواية حقيقي، له هوايات عديدة منها ألعاب الخفة والنار.

"كوكو"، هكذا يناديها الياس، كثيرة الحركة، اجتماعية، نشيطة بين المتظاهرين، تهتف بصوتها الرنّان بإصرار وثقة. أمّا "ليلو"، كما تناديه كوثر، فقد كان يتبعها في جميع نشاطاتها. في ساحة العلم يلتقيان، ويحتسيان القهوة ويتناولان الطعام معاً كلّ يوم.

تقول روايتهما بأن الياس جاء في أحد الأيام متأخّراً يحمل طعام الغذاء لكوثر كونه يعلم أنّها ترهق نفسها في النشاطات. تمنّى لو تجلس بجانبه فتأكل وترتاح لبعض الوقت، لكنّه لم يجدها في الساحة وعندما سأل عنها قالوا له بأنها ذهبت إلى الصيدلية وسوف تعود. برد الطعام وحلّ الليل ولم تأتِ كوثر، فأصيب الياس بخيبة أمل. لم تترك له كوثر أيّ رسالة عن سبب غيابها المفاجئ.

أمّا كوثر، فهي انتظرت رسالة من الياس أو اتصالاً منه، يستفسر عن سبب غيابها عن الساحة في ذلك اليوم ويطمئنّ عليها. لكن الياس لم يقدم على أي خطوة واعتبر أنّه أخطأ بإعطاء اهتمامٍ لعلاقة شخصية في ظل الثورة.
عندما جاء اليوم التالي، التقيا في الساحة دون سلام. سأل أحد المتظاهرين كوثرعن مكان تواجدها في اليوم السابق، فأجابته بأنها كانت في المستشفى لأنّها كانت مريضة جداً. سمع الياس الحديث الذي دار بين المتظاهر وكوثر وأصيب بالخجل. أخذ يفكّر بكيفية الخروج من هذا المأزق، ثم ذهب إلى كوثر وأخبرها بأنه كان قد تصرف بتكبّر، وأنه لا يريد إزعاجها لأنه يعلم بأنها ليست مهتمة بأيّ ارتباط. فضحكت كوثر من دون تعليق. وعاد الياس يتبع كوثر كخيالها من الصباح حتى المساء ينتظر وقت الطعام أو القهوة صباحاً ليحظى بابتسامة أو حديث خاص بينهما. وفي يوم، قرّرأثناء إحدى الندوات الشعبية أن "يغيّر" الهتاف ويأخذ المذياع ليعلن لكوكو عن حبه بعد ثلاثة أسابيع تقريباً على بداية الثورة.

إلياس الذي كان شاباً غير وفيّ في علاقاته مع النساء، يرى بأن هذه الثورة غيّرته. لم يشارك الياس في بداية الثورة ولم يهتم لما يجري، لكنه في اليوم الرابع نزل إلى مكان الاعتصام ورأى المتظاهرين. ثم لفتت نظره فتاة "هتّيفة" اجتماعية جدّاً، فأجبِر على الاختلاط بالمعتصمين. بدأ شيئاً فشيئاً يكتشف أموراً بسيطة لم يكن يعرفها من قبل، كحقّه بالحصول على الكهرباء 24/24 ، وبدأ ينمو لديه وعيٌ ثقافي حتى في مواضيع غريبة عنه تماماً كالحفاظ على البيئة. "أصبحت الثورة أملاً جماعياً"، يقول الياس. أمّا كوثر فتقول بأن الثورة هي مساحة للتعبير عن الرأي. لم يتغيّر شيء في شخصيتها المستقلة، لكنّها تعلمت من الياس "السحر".

من جهة أخرى، هناك حواجز خوف في علاقة كوثر والياس، أولها الاختلاف الديني بين شخصين في علاقة. من ناحية موقف الأهل فأم إلياس أحبّت كوثر، أمّا أباه فقد اعتبرها في البداية شيوعية كافرة ومن عبدة الشياطين لعلمه بأنّ الياس تعرّف عليها في التظاهرات الشعبية، بالرغم من محاولات الياس لتوضيح صورة المتظاهرين الذين تعرّف عليهم وتعلّم منهم الكثير. والملفت أن أبا الياس مناصرٌ لحركة أمل.

أبو كوثرالذي كان عضواً في حزب الله، أخذ موقفاً حاسماً جداً بعد اندلاع الثورة وخاصة بعدما طلب منه أحد عناصر حزب الله عبر اتصال هاتفي إخراج كوثر من الساحة، مهدّداً إيّاه بتجميد عضويته في الحزب. كان قرارُ أبي كوثر واضحاً، فقال له: "استقالتي جاهزة". انتفض أبو كوثر على حزبه ودعم ابنته لاستكمال مسيرتها النضالية.
تختم كوثر روايتها بقولها "أحبه"، أمّا الياس فيقول: "يسقط نبيه بري".

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 369
`


زهراء حجازية