في ضرورة التحليل الماركسي اللينيني

ليس خفيّاً على أحد الأزمة العميقة التي أصابت معظم الأحزاب الشيوعية خصيصاً بعد مرحلة التراجع المؤقت للتجارب الاشتراكية في العالم، والحملة الفكرية الواسعة التي شنتها الرأسمالية من تزوير للحقائق والأحداث إلى إيهام العالم بقدرتها على تحقيق ذات الإنسان إلى رسمها وكأنها خلاص البشرية!!!

أمام هذه الإشكالية والظروف الموضوعية (لن أتطرّق لها هنا) غاب النشاط الإنتاجي النظري - السياسي للحزب الشيوعي اللبناني، بالتالي تراجع برنامجه العام الذي انعكس سلباً في قدرة الحزب على ملامسة وعي الناس المقهورين.

الإنكار كآلية دفاع

الإنكار هو من وسائل الدفاع البدائية التي يجنّب فيها المرء نفسه من تبعات مواجهة الواقع، بالتالي يهرب في تصوراته من حقيقة وجوده وحجمه.
إن البنية الفكرية المأزومة التي سيطرت على الحزب الشيوعي اللبناني منذ ما بعد التسعين قد حتّمت ظهور وسائل دفاع كالإنكار الذي يظهر في ظل غياب القراءة الماركسية اللينينية للواقع، انعكس هذا أيضاً على كوادر الحزب التي تحوّلت إلى موقع الدفاع عن النفس محتميين بتاريخ الحزب المشرق.
إن مصطلح الأزمة يعني إمكانية "الكارثة" وفي نفس الوقت إمكانية "الفرصة" لذلك ننتقل لنلامس الجوهر الأساسي لهذه الأزمة.


الرؤية كضرورة ملحة

يطرح العمل الحزبي ضرورة إنتاج الرؤية على قاعدة الماركسية اللينينية، ما يدفع حكماً إلى تعمق فهمنا الماركسي للمرحلة من ناحية ومن ناحية أخرى إلى بناء البرنامج الحزبي الكفيل بملامسة وعي المقهورين أي إلى عمل الحزب السليم بين الجماهير.
من الضروري أن نشير هنا إلى نقطة بالغة الأهميّة يستغلها التيار الفكري السائد والذي يقضي بفصل النظرية (وهنا الرؤية بما هي حالة خاصة من "النظري") عن الممارسة أي كل ما يتعلق بالتنظيم، وهي أن التنظيم مرتبطٌ بشكل أساسي في طبيعة الرؤية المطروحة، أي أنه يتحدّد بها، إذ لا مجال لفصلهم والعمل على كل واحدة على حدة وإلا نكون قد ابتعدنا كل البعد عن الماركسية اللينينية.


مسألة الكوادر

لعلّ هذه النقطة هي من أهم النقاط المطروحة والتي لا تنفصل عن تلك النقاط السابقة فضرورة إنتاج تصوّر علمي للمرحلة على قاعدة النظرية الماركسية اللينينية يدفع بالضرورة إلى تحقّقه قوةً مادية، وذلك في عملية إنتاج الكوادر الحزبية وفي اجتذاب الأفراد الطليعيين من الشعب. لذلك يجب أن نتطرّق إلى مسألة أساسية وهي ألّا نفصل بين النقطتين، بين إنتاج التصوّر العلمي للمرحلة أي الرؤية وبين عملية تثقيف وخلق الكوادر. إن الفصل بين هاتين النقطتين لهو ضرب من الانحراف يوقعنا بـ"حل" تلقيني يخلق نخباً بعيدة عن الممارسة العملية الماركسية.

في تقريره المقدّم إلى المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي السوفييتي في كانون الثاني عام ١٩٣٤ أعطى ستالين هذا الموضوع أهمية بالغة، ثم وضّحه في أيار عام ١٩٣٥ خلال احتفال تخريج طلبة الجيش الأحمر بطرح شعار "الكوادر يقرّرون كل شيء". كما ورد في تقرير ستالين المقدم إلى المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي السوفييتي الآتي: "بعدما يُحدّد الخط السياسي الصحيح الذي قد اختير في الممارسة العملية، يصبح كوادر الحزب القوة الحاسمة في الأعمال القيادية التي يمارسها الحزب والدولة".

وفي مقدّمة كراس "ما العمل" يقتبس لينين مقطعاً من رسالة بعثها لاسال إلى ماركس في ٢٤ حزيران ١٨٥٢، تقول "إن النضال الحزبي يعطي الحزب القوة والحيوية؛ إن الدليل القاطع على ضعف الحزب هو الميوعة وطمس الحدود المرسومة بوضوح...".

هذا ما يؤكد أنّ لا خوف لدى الشيوعيين حيال فتح نقاش يُعدّ ضروريّاً في حياة الحزب نحو تعمّق أكثر لفهمنا الماركسي ونحو تجذير أكثر لموقعنا ولموقفنا.