فرج الله الحلو وجورج حاوي شهيدا الحزب والشعب والوطن

 

ليست ذكرى إستشهاد القائدين فرج الله الحلو وجورج حاوي مناسبة عابرة، بل إنها دافعٌ للإضاءة على رؤيتهما ودورهما القيادي، وعلى قيم النضال والتضحية في سبيل قضية شعبنا ووطننا. ولا يمكن الإيفاء بدور واحد منهما في مقالةٍ واحدة، فكيف بقائدين من هذا العيار. فقد شغل كلٌّ منهما مكانة مميزة في حياة الحزب، وفي الحياة السياسية العامة في لبنان ومحيطه. واندمج تاريخهما في مسيرة الحزب المستمرة ضد نظام الاستغلال الرأسمالي وجوهره الطبقي وطابعه الطائفي، الذي غرس الأجنبي في بنيته السياسية والاقتصادية، بذوراً تُنبت إنقسامات وتحاصصات وتبعية، فتضعف مناعة لبنان الداخلية، وتجعله مكبّلاً بشباك الطائفية ومنظومة الفساد، ومفتوحاً على التدخّلات الخارجية، وعلى الهزات والحروب الأهلية والإنهيار الذي يتخبّط فيه بلدنا اليوم.

ومع أنّ استشهاد كلٍّ من القائدين في ظروف مختلفة زمنياً ومكانياً، الأوّل في 29 حزيران 1959، في أقبية مباحث عبد الحميد السرّاج والسلطة القمعية في دمشق، ولجوؤهم لإخفاء جريمتهم الفظيعة بإذابة جسده بالأسيد. والثاني بتفجير السيارة التي كان يقودها هنا في بيروت، في 21 حزيران 2005، فإنهما شهيدان قضية واحدة هي قضية الحزب والشعب والوطن. فلم يقبلا المساومة على المبادئ والأهداف. وقد تميّز كلٌّ منهما بالصلابة والجرأة الثورية. فكان الحزب في عمق وجدان فرج الله الحلو، الذي أغاظ بصلابته جلّاديه، ولم يتراجع بكلمة، رغم التعذيب الوحشي. وقد استشهد أبو أنيس رمزاً للمقاومة الوطنية اللبنانية، وحاملاً شعار إقامة الدولة الوطنية الديمقراطية العلمانية، لبناء الوطن.

وأبرز السمات المشتركة بين القائدين تتجلّى أولاً في الإنطلاق من الواقع اللبناني والظروف القائمة، لإستنباط خط الحزب السياسي ومهامه في ضوء حاجات ومصالح شعبنا الاجتماعية والوطنية. ثانياً، في إعتماد سياسة الانفتاح على الناس، والعمل المشترك معهم، من المجال النقابي إلى أطر ونوادٍ وجمعيات في المناطق والأحياء، تجمع الطاقات للقيام بنشاطات ولأجل مطالب ملموسة قابلة للتحقيق. لتصبح هذه الأطر نواة عمل جماهيري ديمقراطي صاعد، يعزّز الثقة بجدوى النضال الشعبي بديلاً من البقاء على رصيف الحياة، والتبعية للزعيم. ثالثاً، السمة المشتركة الأهم للقائدين هي في رؤية الترابط بين القضية الوطنية والقضية الاجتماعية، الذي يعكس مصالح شعبنا وتحصين الوضع الداخلي في مواجهة الضغوط والمخططات العدائية الخارجية، ولإضعاف القوى التابعة لهذه المخططات. وأبرز مثال في مسيرة نضال فرج الله الحلو هو دوره ضد الإنتداب ومن أجل الاستقلال الوطني، وخوض الحزب في الوقت نفسه وبقيادته معارك الدفاع عن حقوق العمال، وتأسيس نقابات عمّالية مستقلة. حتى في معركة الاستقلال الذي كان من أبرز رجالها في المؤتمر الوطني عام 1943 وسكرتيراً لمكتب التعبئة الشعبية في قيادة هذا المؤتمر، فإنه كان في قيادته للحزب يركّز أيضاً فور انتزاع الاستقلال على خوض معركة حقوق العمال، وإيجاد قانون عمل ينظّم العلاقة بين أرباب العمل والأجراء. وبفعل الإضراب العمالي الكبير عام 1945 برئاسة القائد النقابي الشيوعي مصطفى العريس أُقرّ قانون العمل عام 1946 وهو ما زال معتمداً الآن. وقد واصل جورج حاوي والحزب المسيرة نفسها. فجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي تأسست عام 1982 لمقاومة الاحتلال الصهيوني كانت في وجهها الداخلي وفي طبيعة قواها العلمانية تحمل مضموناً يجمع بين التحرير والتغيير.. فالظلم لا يتجزّأ، وطنياً كان أم إجتماعياً. ولا ينفصل النضال لتحرير الوطن عن قضايا المواطن والشعب.

وكثيراً ما كرّر الشهيد حاوي أنّ المقاومة والتحرير لا تتم حمايتهما إلاّ بالتغيير. فليس طبيعياً أن يكون مقابل الإنتصار على العدوّ المحتل، إهتراءٌ وإنهيار داخلي وتناقض بين القضية الوطنية والقضية الاجتماعية. وإذا ما كان إقحام البعض موضوع سلاح المقاومة في الإنتفاضة خطأ مفتعلاً، يلحق الضرر بالإنتفاضة وبحماية الوطن في الظروف الحالية، فإنّ التحريض الطائفي والمذهبي هو خطأ مماثل. فتبنّي مطالب الشعب هو الذي يفضي إلى توسيع الإلتفاف حول المقاومة، لا النفور منها.

إن ممارسة القائدين الشهيدين التي تميّزت بالصلابة النضالية والجرأة الثورية، والمفعمة بروح المبادرة والوطنية، تُشكّل مثالاً مضيئاً وراسخاً في ذاكرة الحزب وتاريخه، وحافزاً لمواصلة النضال لإخراج بلدنا وشعبنا من هاوية الانهيار والإفقار، وصولاً إلى وطن حر وشعب سعيد.

تحية إجلال وإكبار للشهيدين فرج الله الحلو وجورج حاوي. وتحيةً لشهداء النضال الوطني والاجتماعي.

 

  • العدد رقم: 379
`


موريس نهرا