حكومة النظام والطبقة السلطوية بمظلة خارجية

بعد جهد كبير ومشقة، وبقاء الوضع المتدهور 13 شهراً بدون حكومة، جرت ولادة الحكومة . لا يخفى ان هذه الولادة لم تكن لتحصل لولا المساندة الخارجية التي كان دائماً لها دوراً وانما هذه المرة فاقعاً. وفي حين ان تشكيل الحكومات وتغيير السلطات وحتى الدساتير، يجري بصورة طبيعية وفق قواعد متبعة في البلدان والمجتمعات المتقدمة، فإنه يمر بتعقيدات ومشكلات في بلدنا قبل الولادة قيصرية، وتستهلك جهداً ووقتاً طويلاً، تكون فيها البلاد بامس الحاجة الى معالجة ملفات ومشكلات متراكمة، يتعلق حلها بمجالات حيوية تطال الشعب او قسماً منه.

ويعود السبب الاساسي في ذلك الى تخلف نظامه الطائفي التحاصصي، الذي افشل بتناقضاته نجاح التعدد فيه، وحال دون بناء الدولة المتماسكة والوطن والسلم الاهلي الثابت. وفيما كانت الاشادة بفرادة لبنان وبنية مجتمعه التعددية، وصولاً الى اطلاق البابا يوحنا بولس الثاني اثناء زيارته لبنان، القول بأنه "وطن ورسالة" اخذ يتحول الى مثال معاكس، ومن بلد زاخر بالحياة الى هياكل متقادمة فاقدة للروح، تتضاءل فيها مقومات الحياة. ومن مرتبة متقدمة بين البلدان والمجتمعات في مجالات عديدة، الى فرادة في سرعة التدهور والانهيار، وبلوغ الفقر المتعدد الابعاد، وفقا لدراسة الاسكوا التابعة للامم المتحدة، 82% من اللبنانيين.

لقد استولد هذا النظام ويستولد تناقضات وانقسامات داخل اطراف السلطة وفي الحياة العامة، ويستنبت طبقة سلطوية يتيح لها الفساد وطغيان مصالحها الخاصة والفئوية بغطاء الطائفية وغياب المحاسبة. فبذريعة الميثاقية في تشكيل الحكومات، يصبح الوزراء أو معظمهم ممثلين لكتل احزاب الطوائف في البرلمان، ويتعطل دوره في المحاسبة، لان الحكومة تصبح نسخة مصغرة عن هذا البرلمان. مما يتيح للطبقة السلطوية ان تفعل ما تشاء. وتتحول الدولة والسلطة الى مجالات مفتوحة لطغيان المصالح الخاصة بما في ذلك سرقة المال العام والهدر والزبائنية.

لذلك لا يعود الفرق كبيراً بين حكومة وأخرى، ما دام النظام والمعايير نفسها. فالعلة هي بالنظام الذي تؤكد الحالة المزرية التي وصل اليها بلدنا وشعبنا، عدم صلاحه لتسيير شؤون السلطة وامور البلاد وبات عبئاً ونقيضاً لمصالح الوطن والدولة. وفي حالة كهذه لا ينفع اللجوء الى الترقيع الذي لن يكون اكثر من جرعة اوكسجين ليبقى النظام، قائماً. وهذا ما تتواطأ ازائه الاطراف السلطوية ودول خارجية داعمة حرصاً على النظام نفسه من فرنسا وإيران وأميركا وغيرها. لقد مر لبنان  بازمات وتجارب تنتهي بوساطات خارجية ظرفية وقليلة الجدوى. وهي كافية لتأكيد ضرورة التغيير لا الترقيع. وأتت المشاركة المليونية للبنانيين في إنتفاضة 17 تشرين، لتظهر موقف شعبنا وشبيبتنا وإرادتهم بالتغيير ورفض ما هو قائم. فلم يعد الكلام والوعود وزرع الاوهام ينطلي على الناس. ولا الابواق الناطقة باسم الداعمين لهذا النظام، الخارجيين والداخليين. فاتهامهم إنتفاضة الشعب بالتسبب في حالة الانهيار والافقار، مطابقة لقول الفنان الكبير زياد الرحباني بسخريته اللاذعة، "الشعب يستغل الزعما والزعما معترين". كما أن تخويف اللبنانيين بالموت البطيء لن يدفعهم للقبول بالمرض الدائم. ولم يعد كافياً التوصيف الصحيح الذي جاء في بيان بكركي، في 1 أيلول، للحالة القائمة. بل ينبغي كشف مكمن الخلل في اسس النظام لتكون المعالجة مجدية للخروج من دوامة الازمات والحروب الاهلية والتدخلات الخارجية. 

وهذا يستدعي التركيز على بناء دولة ديمقراطية علمانية وقانون مدني اختياري للأحوال الشخصية، وإعتماد قانون انتخاب لا طائفي – نسبي- وفي الدائرة الواحدة. ليصبح خيار الناخب على أساس القضايا الاجتماعية والوطنية في لبنان واحد.