ذكر الحجر


في الحجر كما خارجه، ضمن العائلة أو الدولة، الواقع نفسه.
زعيمٌ واحد على طائفة، على منطقة وعلى عائلة. نظامٌ قائم على العلاقة الزبائنيّة. هذا النظام يسلّع المرء ويشرّع بيعه للأقوى - جسديّاً، اقتصاديّاً واجتماعيّاً – أي الأقوى سياسيّاً. لكن أن يكون المرء الأقوى فهذا ليس عبثيّاً أو بمحض الصدفة. إنّ هذا النظام يصنع أقوياءه.


يتساءلون إن كانت الأبطال تُصنع أو تُولد، إنّ الذكور يولدون مصنوعين. يوضعون في سريرٍ يطوف بالإمتيازات المرصّعة بأغلى صفات الرجولة والقوة. سريرٌ عوامده إرث العائلة وأحلام الأب والعموم، إرثٌ هو الولد بعينه لا الطفل، إنّ الطفل مجرّد إنسانٍ مطيع. فعندما يُجبر الولد منذ نعومة أظافره أن يكمل بمهنة والده دون السماح له بملاحقة شغفه هذا إن لم يتعرّض للتنمّر بسببه "يلا إجا الكلون" إن أختار أن يصبح كوميديّاً مثلاً. حتّى على مستوى الهوايات والألعاب فالولد يجب أن يلعب بالأسلحة البلاستيكيّة وأن يمسك الحيوانات من رقبتها وإلا "منوش رجّال".
من يتحكّم بالطعام، الطبابة والمسكن يتحكم بكل شيء. أليست هذه نظرية الملوك والفاتحين ؟
هذه هي العلاقة الزبائنيّة، أي أن تشتري حقّك من الحاكم "بأمر الله". وماذا يعني أن تكون الحقوق بالوكالة ؟ تاجرٌ واحد لا ثاني له، مستبّدٌ محتكر، هذا لم يعد تاجر وهذه ليست مجرّد سلعة بل إنّه الطاغي وهذه شروط المعيشة... دونه ودونها الموت. هذا هو العنف الأسري اليومي، في شتى المجالات حتّى تحديد الهوية الجنسيّة. ان تضطر الى تحطيم نفسك ثم جمع الفتات لتضعهم في قالب من الأهواء النتنة، في عدم الرجعيّة الفانية، ثمن عيشةٍ بالأسود والأبيض لا بل بالأسود فقط.
لا تخدعكم(نّ) سنّ قوانين تجرّم العنف الأسري ولو تُبقّطت في كلّ زاوية من المنزل وبأشد الطرق، إنّ الجلاد لا يحتاج السوط. من يريد وقف العنف الأسري فليحرّر المسجون من زنزانته، فليطلق يديه. من خدع الذكر النظامي أيضاً حين يعلو صوت الرفض، حين تشتعل الإنتفاضة للكرامة والوجود، يقول "هذا الباب ولقد فتحته" لكن كطائر الكنار عندما يُفتح باب القفص يقف على حافّته لكن لا يخرج، وكيف له ان يخرج الى سماءٍ لا جميل فيها سوى الأزرق.
لا حريّة دون عدالة إجتماعيّة. أي لا حريّة دون دولةٍ تؤمّن عبر مؤسّساتها كافة حقوق المرء المجانيّة، حينها يستطيع المرء أن يكمل حياته بشكلٍ طبيعيّ ولائق. عندما تتكافؤ فرص العمل والحكم، عندها تُصبح أي علاقة بين فردين، علاقةً طبيعيّةً تحافظ على كيان كل واحدٍ ويكون القرب إراديّاً جميلاً كإنحناء شجرتين وتشابك أغصانهما بفعل الهوى. إذ إنّ الطاعة مقابل الحياة ليست بطبيعيّة بل إنّها العبوديّة a la mode التي أُجبر الأقل قوّةً على تقبلّها لا بل الدفاع عنها. فهو المؤمّن والمعطاء الذي يحيّد طوعاً جزءاً من "عرق جبينه" الى هؤلاء المستكّعين كي يعيشوا، إنّه المالك الذي يُبقي في صحنه رفقةً بمن يأكل الفتات. لا بد من شكرٍ اذاً و"الله يديمك فوق راسنا". هنا النضال حقيقيٌّ وشامل بعيدٌ كل البعد عن حملات التحصيل بالمفرّق – تشريعٌ من هنا ومادةٌ من هناك – هنا النضال من وحول البؤس الى مروج الفرح. نضالٌ لإسقاط النظام والقائمين عليه لأنّنا نرفض أن نخدع أنفسنا برسم نافذةٍ على حائط الزنزانة... كفاحٌ ينطح الإسمنت حتّى يقع.
"ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان" وقد عرف الأب هذا الامر جيّداً، عرف أنّ الرعب يقهر النفس كما الجوع يقهر الجسد، أي أنّ صوت السوط يؤلم أكثر من ضربته. لو شعر الهواء بتعب الموج لوقف. هذا إحساس المقهورين حين تستعر كلمة "الكبير" في نفوسهم. أيّ تأمّلٍ هذا الذي يقي الصحّة النفسيّة والعقليّة من مرارة هكذا إنتهاك، من إحساس المرء أنّ أفكاره وأحاسيسه عاريةٌ ترتجف من برودة الهواء خلف عباءة شرشبيل. معتمداً سياسة الترهيب أو الترغيب الماكر، يملي ما علينا أن نعتقده ونؤمن به في شتى المجالات السياسيّة، الدينيّة وغيرها. هنا الإسقاط الأيديولوجي الكفيل بإعادة إنتاج سيطرته، إذاً فلتسقط الذكوريّة وليعلو الضحك.
لكننا كثر وهو واحد، نمتلك الحلم والعزم. لن ننتظر الصباح بل سنسابق الزقزة إليه، سنمسك يداً بيد نقطع دهاليس الغابة حتّى السهل. هناك "فلتكن المواجهة في الضوء" وكلّما إنتصرنا توهّج الأخير كنجمةٍ تبشّر بأن الخلاص هنا في قبضات الكثر المظلومين. ليذهب الألم في معدتنا الى الجحيم. لترفع حرباتٌ تعلّق عليها رؤوس الحكمة.
ملاحظة: ورد في المقال عبارات "القوي"، "الكبير" وغيرها في مقابل "الضعفاء"، "الأقل قوّةً". تمّت الإستعانة بهذه التعابير لغرض إستهداف هذا الموقع الإجتماعي الذي ينتجه النظام ويعوّل عليه وليس لإنتقاص أيّ قوّةٍ كامنة في نفوس الفئات الإجتماعيّة المظلومة. لا بل وفي خاتمة المقال نؤكّد نحن، أي أفراد هذه الفئات، على تكتّلنا وقتالنا في وجه النظام وأسياده. أنا أيضاً ضحيّة لسياسات هذا النظام الذي يبطش بأحلامي وصحّتي النفسيّة. على كل واحدٍ منا خوض معركته الى جانب الآخر، لا أن يملي على غيره خاصّةً النساء ما عليها أن تفعله وكيف تناضل. إنّ مكافحة الذكوريّة هي في الأداء اليومي، في إنتهاج نمط علاقاتٍ جديد.