العام الدراسي يترنح مع خطة الوزير

أطلق وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال طارق المجذوب، العودة إلى المدرسة كحدٍّ أدنى لمدة ثمانية عشر أسبوعاً للتدريس الفعلي، ومعلناً أن العام الدراسي سيبدأ في 27 أيلول 2021، وسيتم اعتماد 4 ايام تعليم في المدارس والثانويات الرسمية وترك اليوم الخامس للتعليم عن بُعد للكفايات بسبب أزمة المحروقات. وترَك للمدير في المؤسّسات التربويّة الخاصّة تحديد عدد الأيّام بالتنسيق مع مصلحة التعليم الخاصّ في الوزارة، بما يتناسب والمنهاج المُعتمَد. أمّا في التعليم المهني والتقني، فيُعتمَد يومان لتدريس المواد النظريّة وباقي الأيّام للمواد التطبيقيّة، ابتداءً من شهر أيلول.

واشار الوزير من ناحية ثانية، إلى أنه تم تأمين لقاحات كورونا مجانية للأساتذة، وقرطاسية لصفوف الحلقة الأولى والثانية والواح الطاقة الشمسية في 128 مدرسة موزعة على المناطق، ولفت أيضا إلى اعفاء المدارس من المتأخرات ورسوم المساهمات في الصناديق ووعد بتأمين المحروقات المدعومة للمؤسسات التعليمية، كما أطلق سلسلة وعود تتعلق بتأمين دفع مستحقات المتعاقدين.

كذلك أكد الوزير حسمه لبداية العام الدراسي في هذا التاريخ، وقام بعدة زيارات للجهات المعنيّة في الدولة من أجل تذليل الصعوبات التي تحول من دون انطلاق العام الدراسي، الى جانب قيامه بالتنسيق مع الجهات المانحة لتحل الأمور الماليّة والاقتصاديّة العالقة.

فما إن أعلن المجذوب العودة الحضورية الى المدارس تحت وطأة أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وخصوصا ان  الطلاب والأهل والمعلمين يفتقدون لأدنى مقومات العيش، ناهيك عن الكهرباء والمحروقات والانترنت وغياب الطبقة الوسطى بعد تدهورها الى مستوى الفقر، حتى انهالت الردود السلبية على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وخصوصا من الأهل الذين عانوا الأمرّين في العام الدراسي المنصرم، حيث اعتبروا أن التعلم عن بعد غير ناجح ولا يؤمن العدالة التربوية والتعليمية نظرا لصعوبة الوضع الإقتصادي وللغياب شبه الكلي للكهرباء والإنترنت، واعتبروا أن وضع البلد لا يسمح للتعليم الحضوري أيضا، بدون تأمين البنزين والمازوت لضمان وصول التلاميذ والأساتذة الى الصفوف، وتوفير المازوت للمولدات لضمان تشغيل الكهرباء خلال الدوام، والتعجيل بموضوع اللقاحات لتشمل كلّ الطلاب من كلّ الأعمار.

حسب رئيسة «اتحاد لجان الأهل» في المدارس الخاصة لن يكون هناك عام دراسي جديد إذا لم يتّم دعم المدارس المتعثرة وتأمين المحروقات للباصات عبر البلديات واستعمال الإيرادات الإضافية لدعم الأساتذة والأهل والمصاريف التشغيلية، والمساعدات الإجتماعية. 

لا شك أنّ خطة الوزير ستشكل عائقا أمام انطلاقة العام الدراسي القادم، ويجب إعادة النظر بها لأنها غير مدروسة بعناية ولم تقدم حلولا جذرية ومستدامة، مما يجعلها غير قابلة للتنفيذ بسبب افتقارها الى الجدّية وبعدها عن العلمية، وهذه الخطة الأحادية الجانب ستجعل العام الدراسي القادم من أكثر الأعوام تعقيدا وصعوبة، حيث سيكون التحدّي الإقتصادي صعبا على الأهل من جهة، ولا سيما بعد رفع الدعم عن المواد الأساسية، وحيث يصعب عليهم تغطية تكاليف النقل، وارتفاع كلفة التعليم، وسيشهد من جهة ثانية، تحديا أكبر للمدارس أيضا، حيث أن الميزانية التشغيلية فيها ستكون مرتفعة جدا هذا العام، مما يؤكد عدم قدرتها على تحمّلها واستقبال التلامذة وتأمين مقوّمات التعليم الضرورية.

في العام الماضي، خرجت  خطة الوزارة بصيغة استهدفت القطاع الرّسمي وأهملت القطاع الخاص، وكانت تجميع لعناوين غير منظّمة، وأهملت العديد من المحاور الأساسيّة، أما اليوم نحن في ظلّ واقع أصعب من جميع النواحي، وبما ان التعليم هو الخلاص الوحيد للنهوض من بين ركام الإنهيار لذلك عاد الجدل عن كيفية تمرير العام الدراسي القادم بنجاح، في ظل كيفية الدّفع الشّهري للمتعاقدين، وتصحيح القدرة الشرائية للمعلمين على صعيد الرواتب والتقديمات الاجتماعية (ضمان الٳستشفاء ودخول المستشفيات…)، وتأمين المحروقات المدعومة للمؤسّسات التربويّة، والدعم المالي لكل طالب في لبنان، ودعم العائلات الفقيرة. 

 

انطلاقا مما تقدّم، ومن التجارب المرة مع وعود الوزير التي لم تنفذ سابقا، ولن تنفذ اليوم، فالعام الدراسي مصيره مجهول لغاية تاريخه، وإذا انطلق فسوف تكون انطلاقته متعثرة أكثر من السنتين الماضيتين في ظل عدم إنجاز ما هو مطلوب من وزارة التّربية وبعد أن أصبح التّعليم محصوراً بالأغنياء فقط والفقراء إلى التسرّب المدرسي، في ظل الأزمة المتفاقمة.

  أسبوع يفصلنا عن بدء العام الدّراسي، في بعض المدارس، وما زال كلام الوزير وعودا لا تسمن ولا تغني عن جوع، ”والنّاس لا معلّقة ولا مطلقة”. فالخطة الموعودة تحدد بعض المشاكل وليس كلها ولا حلول منظورة تحاكي الواقع، ولا وجود لبدائل عن طريق تقييم الوضع واشراك الجميع بايجاد حلول عملية، إذ يتبين لنا ان انطلاقة العام الدراسي ستواجهها عقبات كبيرة وسنعود الى فشل تجربة العام الدراسي المنصرم والى التفاوت بين التلامذة والمعلمين والمدارس مجددا. وهذا يدل على ان الوزارة لا تعي هذه المشاكل ولا تعرف ان القدرة الشرائيّة عند الكثيرين أصبحت لا شيء، وأن هناك أزمة الكهرباء وأنترنت ومحروقات وما يتبعها من ارتفاع لكلفة النّقل خاصّة مع رفع الدّعم…

أخيرا نقول اننا نريد العودة الى المدرسة، ونعي بشكل كبير أهميّتها، ولكننا كأهل ومعلّمين وتلامذة  نفتقد الى أدنى مقوّمات العودة للمدارس، وتجربتنا مرّة خلال عامين من الفشل وعدم القدرة على وضع خطّة شاملة، ناهيك عن ان الٳمتحانات الرّسمية لهذا العام جاءت شكليّة وغير عادلة، وهدرت المال العام، والامتحانات كانت بأقل من ربع المنهج، مما افقد الشهادة الرسمية مستواها وقيمتها.

 كنّا نأمل أن تؤمّن الدّولة وبالتحديد وزارة التّربية حلولا لٳنجاح عمليّة التّعليم والتّعلّم، عن طريق تقييم الوضع بشكل سليم، وتحديد نقاط الضعف والقوّة، ووضع الأولويات حسب الواقع المعاش، وأخذ المبادرات العملية وإشراك جميع المعنيين لوضع خطّة مرنة مبنيّة على الواقع وتأمين البدائل المطلوبة.

للأسف كل ذلك لم يحصل وكأننا مع وزير يعيش خارج الواقع، وروابط اقل ما يقال فيها انها ممثلة لأحزابها ولا تمثل الأساتذة، وجميعهم يعانون من عدم رؤية الوضع بشكل دقيق، وها هم اليوم وبعد اكثر من 85 % من الأساتذة طالبوا بتأجيل انطلاقة العام الدراسي الى حين تأمين مقومات العودة الكاملة والمعروفة من الجميع، نراهم يرضخون للأمر الواقع عبر مطالبتهم بالتأجيل، وما زلنا بفضلهم مع الوزارة نتدحرج من خطة الى خطة كلامية ليس أكثر، كأن التلامذة هم حقل تجارب لهم، واذا استمرينا على هذا المنوال، وهكذا يتضح، فان التربية في لبنان ليست في خطر فقط، بل الى تدهور مريع. فهل نحن امام وعود عرقوبية جديدة؟