التصعيد الأميركي ضدّ إيران: واشنطن تلعب بالنّار!

 
"لا أعلم ما هي الأسلحة التي ستستخدم في حرب عالمية ثالثة، لكنّ أسلحة الحرب العالمية الرابعة ستكون العصي والحجارة".
- ألبرت أينشتاين –
بين فنزويلا وإيران، مداورة وبالتّزامن، تمارس الإدارة الأميركية، أوقح أنواع "البلطجة"، ما ينذر بتحويل كوكبنا إلى كتلة من الركام والرماد. لماذا فنزويلا وإيران تحديداً؟ لأن فنزويلا تمتلك أكبر احتياطي نفط في العالم بينما تأتي إيران في المرتبة الثالثة بعد السعودية. ولأن الولايات المتحدة لم تتخلّ أبداً عن الثوابت التي صاغها الرئيس الأميركي الأسبق أيزنهاور: "احتياطيات النفط في الشرق الأوسط هي مصدر هائل للقوة الاستراتيجية، وواحدة من أعظم الجوائز المادية في تاريخ العالم، وأكثر مناطق العالم أهمية من الناحية الاستراتيجية، والسيطرة على نفط الشرق الأوسط سيؤمن للولايات المتحدة سيطرة جوهرية على العالم". ولأنها أيضاً لم تتخلّ أبداً، خاصة فيما يتعلّق ببلدان أميركا اللاتينية، وبالأخصّ فنزويلا البوليفارية، عمّا خلص إليه مخططو الحرب العالمية الثانية من أن "التهديد الأساسي للمصالح الأميركية يتمثل في الأنظمة الراديكالية والقومية التي تستقطب الشعوب، وتميل إلى تلبية مطالبهم عبر تحسين فوري لنمط معيشتهم الرديء، وهذه الميول تتعارض مع مطلب المناخ الاقتصادي والسياسي الملائم لاستثمارات خاصة، ولحماية المواد الخام" (1). أما عن "الاستدارة" العنيفة الحالية باتجاه إيران ومنطقة "أيها الملك، نحن نحميك، لذلك عليك أن تدفع"، فتأتي بعد فشل إحداث خرق في فنزويلا يُفيد الولايات المتحدة باستعادة الانفراد بعرش الكون. ولا تلغي مخاطر هذه "الاستدارة" على السلم العالمي، "تطمينات" الإدارة الأميركية بأنها تهدف فقط إلى "الضّغط على إيران"!
روسيا والصين بعد إيران
بحسب تقديرات أكثر المراقبين والمحلّلين الدوليّين نزاهة، تتعدّى استهدافات الهجمة الأميركية الراهنة إيران، لتطال الصين مروراً بروسيا، وما حولهما وعبرهما إلى كل من تسول له نفسه الخروج من بيت الطاعة الأميركي. يؤكّد الباحث الكندي ميشيل شوسودوفسكي أن خطة تدمير إيران وزعزعة استقرارها موجودة على جدول أعمال البنتاغون منذ منتصف تسعينيّات القرن الماضي. ويشرح بإسهابٍ تفاصيلَ جهوزية التحضيرات الحربية والانتشار العسكري الاستراتيجي اللّاحق، المهدّد لكل من كوريا الشمالية والصين وروسيا، وانخراطَ الولايات المتحدة مع حلفائها وشركائها في "الناتو" و"إسرائيل"، في نشر شامل لمخزونات استراتيجية من أنظمة التسلّح المتطوّرة، بما في ذلك الدمج الشامل لأنظمة الدفاع الجوي لبلدان "الناتو" والولايات المتحدة و"إسرائيل". ويرسم الكاتب لوحة تفصيلية للتنسيق بين البنتاغون و"الناتو" (20 دولة) و"إسرائيل" وبين انخراط عسكري فاعل لعدّة بلدان لا تنتمي إلى حلف "الناتو"، ومن ضمنها 10 دول عربية تقع في جبهة المواجهة، إضافة إلى اليابان وكوريا الجنوبية والهند وإندونيسيا وسنغافورة وأستراليا و21 دولة أخرى أعضاء في مجلس الشراكة الأوروبي الأطلسي (EAPC). ويحذّر شوسودوفسكي بالقول "في حال كانت إيران هدفاً لهجوم جوي استباقي تشنّه القوات المتحالفة، سوف تشتعل كامل المنطقة، من شرقي المتوسّط بما في ذلك سورية ولبنان، إلى حدود الصين مع أفغانستان وباكستان، ونكون بالتالي أمام سيناريو لحربٍ عالمية ثالثة" (2).
قد تستهدف "إسرائيل" طائرة أو بارجة أميركية
تعلّق الصحفيّة الأميركية-التشيلية ويتني ويب على التصريحات الناريّة لمستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، التي تعتبر أن أي استهداف من قبل أحد حلفاء إيران ضد "مصالح" (وليس فقط منشآت) تابعة للولايات المتحدة الأميركية أو أحد حلفائها في المنطقة، سيكون كافياً لشن هجوم أميركي ضد إيران، "على سبيل المثال، إذا أقدمت إيران على إغلاق مضيق هرمز كردٍّ على حظر كامل صادراتها النفطية، يمكن اعتبار هذا الإجراء هجوماً على المصالح الأميركية أو مصالح حلفائها الإقليميين، حتى ولو لم يكن هجوماً عسكريّاً" (3). بينما لا يستبعد الكاتب الأميركي بول كريغ روبرتس إحياء "مشروع نورث وودز" الذي قدمه القادة العسكريون الأميركيون في مطلع الستينيّات من القرن الماضي لتبرير غزو كوبا، كأن تقدم الولايات المتحدة أو طرف حليف (في هذه الحالة "إسرائيل")على استهداف طائرة أميركية أو مهاجمة سفينة تابعة للبحرية الأميركية وإلصاق التهمة بإيران أو أحد حلفائها كي تشكل ذريعة لواشنطن لمهاجمة إيران (4).وقد جاء "الغموض" الذي يلفّ العملية التي استهدفت مؤخّراً ناقلات النفط والسفن التجارية قبالة شواطئ الإمارات، ليؤكّد توقعات "روبرتس"، رغم ردود الفعل الحذرة إزاء هذه العملية التي قد تكون بالون اختبار لعملية أشدّ خطورة.
إن أخذ إيران، سلماً أو حرباً، بحسب الخطة الأميركية المرسومة، سيمهّد الطريق نحو حصار روسيا وإسقاطها، قبل حصار عدوها "الأكثر خطورة"، الصين وإسقاطها. تأمل الإدارة الأميركية "تغيير النظام" أو "تغيير سلوكه" بالسلم "المدرّع" بحصار اقتصادي مطبق. هذا السيناريو سبق وفشل (كوبا وكوريا الشمالية مثالاً). يبقى سيناريو الحرب، وهو السيناريو غير المستبعد بموازاة الحصار، إذا ما تمكّن وكلاء واشنطن الإقليميين، خاصة "إسرائيل"، من تنفيذ هجوم "مُقنِع" على هدف أميركي، سواءً بالتنسيق مع أسيادهم في واشنطن أو عبر "مبادرة ذاتية".
ظريف: نعم... ولكن!
كان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مُحقّاً عندما أشار إلى دور "الفريق ب" في التصعيد الخطير ضدّ بلاده، ويقصد بالفريق المذكور جون بولتون وبنيامين نتنياهو ووليّي العهد السعودي بن سلمان والإماراتي بن زايد، لكنه أخطأ عندما حاول "تحييد" الرئيس ترامب بقوله "لا أعتقد أن الرئيس ترامب يريد أن يفعل ذلك، إن "الفريق ب" يريد دفع الولايات المتحدة فعليّاً، وإغراء الرئيس ترامب، في مواجهة لا يريدها"! وكأنّ القرارات الاستراتيجية كقرارات الحروب الإمبريالية تخضع لـ"إغراءات" وأهواء شخصيّة غير مرتبطة بالأبعاد البنيويّة لطبيعة النظام الامبريالي وأزماته. معذورٌ رئيس الدبلوماسية الإيرانية، في تجنّبه الدخول في عمق أزمة النظام الرأسمالي ما دام من غير الوارد، أصلاً، اعتراف النظام في الجمهورية الإسلامية بالجوهر الطبقي للمشاريع الإمبريالية والصهيونية الاستعمارية والاستيطانية العدوانية.
"توده": الى التصدّي بكل قوّة للعدوان الإمبريالي
من جهته، أدان الحزب الشيوعي الإيراني (توده) "التصعيد المثير للقلق من قبل إدارة ترامب العنصرية والفاشية والرجعية ضد إيران". ودعا إلى "وحدة كل القوى التقدمية في إيران والمنطقة والتصدي للعدوان ومقاومته بكل قوّة" (5). وسبق لـ"توده" أن حمّل مسؤولية التصعيد "للسياسات المدمرة والمتداخلة للولايات المتحدة و"إسرائيل" والمملكة العربية السعودية". واعتبر عضو المكتب السياسي للحزب، محمد أوميدفار أن "حدة التوتر ناجمة عن تمادي إدارة ترامب في انتهاك القوانين الدولية، خاصة خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية التي تلحق الأذى بغالبية الشعب الإيراني". ودحضَ مزاعم بعض المعارضين المتحالفين مع الخارج والمعادين للشعب، ورهانهم على العدوان "فيتحرير إيران من مخالب النظام الثيوقراطي"، معتبراً أنها "تؤدي إلى عواقب وخيمة للغاية على أمتنا، وعلى الحركة الشعبية من أجل الحرية والسيادة والعدالة الاجتماعية، كما حصل في حرب العراق مع إيران المدعومة إمبرياليّاً بين عامي 1980 و1988". واعتبر أن أحد أهداف هذا العدوان هو حرف مسار نضال الشعب الإيراني من أجل إقامة نظام وطني وديمقراطي و"فرض حكومة عميلة". وأكّد موقف "توده" الثابت بأن التغيير الديمقراطي "لا يتحقق من خلال العدوان العسكري المدمّر لبلادنا، وإنما فقط من خلال نضال الشعب الإيراني وقواه التقدمية". وفضح "الدّعم الذي يقدمه جون بولتون وإدارة ترامب لعائلة بهلوي (عائلة الشاه الإيراني المخلوع) وما يسمّى بـ"المجلس الوطني للمقاومة" برئاسة مريم رجوي – الذي يتلقى مئات الملايين من الدولارات من نظام بن سلمان الإجرامي، ما يبيّن بوضوح النوايا الحقيقية للحكومة الأميركية تجاه إيران ونضال شعبها". وأضاء على الاختلاف الجوهري بين شعار "العداء لأميركا" الذي يرفعه النظام الحاكم وشعار العداء للامبريالية، الذي يرفعه اليسار الإيراني وحزب "توده"، وهو ما يعكس نظرتنا للدور الهدّام لرأس المال الاحتكاري على الساحة العالمية وإيماننا بأن القوى المعادية للإمبريالية يجب أن تتّحد وتعمل سويّاً لبناء عالم مختلف". وأوضح بأن نموذج الاقتصاد الرأسمالي المغلف بشعارات "إسلامية فارغة" هو النموذج الأمثل للنظام الإيراني، داعياً إلى ضرورة ربط أهداف حماية السيادة الوطنية "بوضع حد لإعادة الهيكلة الاقتصادية النيوليبرالية التي تنتهجها الجمهورية الإسلامية، الحدّ من النمو الرأسمالي وتوجيهه نحو تنمية وتطوير القوى المنتجة للاقتصاد الوطني، إعادة التوزيع العادل للمواد والثروة، مكافحة الفساد، وتحقيق الحريات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية" (6).
نحو أوسع جبهة مناهضة للإمبريالية والحرب
ما تشهده منطقتنا حاليّاً من مخاطر لا يستهدف إيران وحدها، ولا أي بلد بمفرده. بل كل الناس في منطقتنا وفي العالم بأسره. ومن الخطأ تحديد الموقف من هذه المخاطر بالاستناد إلى التناقضات الإيديولوجية والخلافات السياسية مع النظام الحاكم في إيران، بل انطلاقاً من خطورة المخطط الجهنمي المرسوم في الدوائر الإمبريالية-الصهيونية والذي ينذر بدمار شامل لكوكبنا.
بكل تأكيد ستبقى أبواق الإعلام الغربي والخليجي تعزف على وتر واحد هو "الخطر الإيراني" بينما الخطر الداهم قادم إلينا من الغرف السوداء في البنتاغون والبيت الأبيض وتل أبيب. إن التمادي في سياسة العسكرة المعتمدة من قبل المنظومة الإمبرالية ووكلائها والمتسببة بإفقار الغالبية العظمى من سكان العالم، سيؤدي حتماً، في حال نشوب حرب كونية إلى انقراض هؤلاء الفقراء قبل غيرهم، مهما اختلفت مشاربهم العقائدية أو الدينية. من هنا تبرز أهميّة إطلاق أوسع حركة مناهضة للحروب الإمبريالية، عابرة للبلدان والقارات، تتقدم صفوفها قوى الحرية والتقدم والسلام العادل في منطقتنا.
وفي هذا السياق يتوجّب على القيادة الإيرانية وكل القوى الحليفة لها أن تتعامل مع هذه الحركة ليس بوصفها حركة تضامنية معها ومع سياساتها الخاطئة هنا وهناك، بل بما هي حركة تضامنية مع الشعب الإيراني وشعوب منطقتنا عامّة ضد العدوان ومن أجل استعادة الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني وكامل الأراضي العربية المحتلة، استقلال بلداننا على أسس احترام التنوّع الفكري والسياسي والثقافي، مكافحة كل أنواع الاستبداد والظلامية والفساد، وتحقيق الحريّات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
المصادر:
(1) نعوم تشومسكي، أنظر: https://chomsky.info/200909211-2/
(2) ميشيل شوسودوفسكي، أنظر: https://www.globalresearch.ca/preparing-for-world-war-iii-targeting-iran/20403
(3) ويتني ويب، أنظر: http://www.informationclearinghouse.info/51560.htm
(4) بول كريغ روبرتس، أنظر: https://www.paulcraigroberts.org/2019/05/07/does-trump-have-control-of-his-government-or-is-it-his-government/
 (5) صحيفة مورنينج ستار،  أنظر: https://morningstaronline.co.uk/article/w/iranian-conmunists-call-for-peace-as-us-threatens-war  
(6):  محمد أوميدفار، أنظر: https://www.peoplesworld.org/article/how-did-the-iranian-revolution-go-so-far-off-the-rails/
 
  • العدد رقم: 358
`


حبيب فارس