نزار بنّات: معركة الوجود بوجه شرعة الخنوع

نزار ومعركة الشرعية

نزار بنّات، رئيس قائمة الحرية والكرامة وأحد أبرز المرشحين المعارضين في إنتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني التي كان من المفترض إجراؤها في شهر أيار 2021 ولم تجرِ بسبب قلق حركة "فتح" وما يسمى بالسلطة الفلسطينية وخوفها من خسارة الانتخابات، تحت ذريعة رفض سلطات الإحتلال إجراء الإنتخابات في القدس الشرقية، لتبرير إلغائها.

عُرِف نزار بمواقفه الحادة ومعارضته القوية لمنظومة ما يسمى بالسلطة الفلسطينية، وكان من أبرز المنتقدين لسياسات رئيس حركة فتح، والرئيس المنتهية ولايته منذ عام 2009 محمود عباس. كما ونشط في الكثير من الحملات السياسية والحقوقية، وقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية. نزار العامل النجار النشيط المستعد دائمًا للإلتحام في أي معركة تصبّ في خدمة كلّ خطاب وطني يرفع شعار "كامل التراب الوطني الفلسطيني" على أساس مقاومة الإحتلال، وقطع الطريق بطروحات ومشاريع سياسية مناهضة لسياسات الإستسلام التي أنتجتها اتفاقية اوسلو.

التنسيق الأمني يغتال نزار بنات

بات الغضب اليوم باتجاه ما يسمى "السلطة الفلسطينية" وجماعة فتح، يضاهي الغضب تجاه سياسات الإحتلال. حتى أن الرأي العام الفلسطيني في الداخل غير مستعد للتهاون مع أي فصل بين منظومة السلطة ومنظومة الإحتلال. 

يوم السبت 24 يونيو 2021، في وقت متأخر بعد منتصف الليل، داهمت مجموعة من ما يسمى "قوات الأمن الوطني" منزلًا في منطقة جبل جوهر المنطقة المعروفة بأنها غير خاضعة أمنياُ للسلطة الفلسطينية، ويمنع دخولها دون التنسيق والحصول على الإذن مسبقاً من قبل الإحتلال. من هنا نبدأ السؤال، كيف قتل نزار وبقرار وتنسيق وتغطية من؟

لم تكن ليلة السبت المحاولة الأولى من قبل السلطة لإسكات نزار، فسبق ذلك عدة محاولات اعتقال واعتداء وتعذيب من قِبل الأجهزة الأمنية التابعة لها، تبعها إطلاق نار مباشرةً على منزله حيث كان أطفاله وزوجته بمفردهم. يقول بعض أصدقائه أن نزار كان متوارياً عن الأنظار، بعدها عاد إلى جبل جوهر ولجأ إلى منزل العائلة بعد إثارة موضوع صفقة تبادل "لقاحات - منتهية الصلاحية" بين السلطة وحكومة الإحتلال كان نزار مصرّاً على فضح فساد السلطة. يومها كعادته لم يترك نزار "ستر مغطى" على حركة فتح والسلطة. بل تناول الفساد وسوء الأداء كمحطات تاريخية ذاكراً أحداثاً وأمثلةً على أساس أنها تطوّر طبيعي لتاريخهم المليء بالخيانة والتجارة بفلسطين ودماء الناس فأشار لخيانتهم "للمخيمات وسلاح المقاومة الفلسطينية، والمناضلين الفلسطينيين والعرب والأممين .." عند قول نزار التي باتت قراراً لمنظومة السلطة التي هي جزء من منظومة الاحتلال.

بعد اغتيال نزار سارعت السلطة للإعلان عن عزمها إنشاء لجنة تحقيق في ما أسمته جريمة "مقتل المواطن نزار بنات"، وما لبثت أن أعلنت هذه اللجنة حتى تتالت الإنسحابات منها الواحدة تلو الأخرى. أيضاً من المهم وللتاريخ أن السلطة عرضت على العائلة احتساب نزار من الشهداء وتخصيص راتبٍ شهريّ. والعروض وصلت أيضاً على شكل رسائل وطلبات اجتماعات معهم لتقديم عروض مبالغ مالية طائلة. ورغم كلّ ما حدث وما يحدث حالياً. دعونا نتخيل كم كان مقطع فيديو يعلّق فيه نزار حول هذه المواقف، ساخراً لاذعاً، قاسياً على شكل ضربة قاضية موجوعة لجماعة سلطة أوسلو...

العلاقة مع نزار

يمثّل صوت الشهيد نزار بنات، أصوات كثيرين من الذين لم يعرفوه شخصياً لكن معظمهم صادفوا مقاطع مصورة غاضبة ولاذعة له تعبّر عن مواقفه ضد سياسات "حركة فتح والسلطة الفلسطينية". والتي تأتي بمثابة شفاء الغليل لهم.

في حين أن نزار كان يخاطب الشباب الفلسطيني عموماً كفئة ليس فقط في الداخل بل في مخيمات الشتات واوروبا، عن طريق دوائر الثقة خاصة فيما يخص المعلومات ومصادرها. بحسب عارفيه، فإن نزار لا ينام، فهو معروف بشغفه الأعمى لأي نقاش جدي وطني سياسي مقاوم. وتحويله إلى مشروع - نشاط فعلي ينتقل فيها المنحى التنظيري لشبكات التواصل الإجتماعي، إلى دعوة دائمة للتحرك. كلّ ذلك جعل من نزار جزءاً أساسياً لتحريك الكثير من المبادرات على اوروبا، لبنان، الأردن، فلسطين...

في المعركة الأخيرة مع الإحتلال والتي طالت حركتها كلّ الأراضي الفلسطينية، همس نزار لبعض من أصدقائه ومتابعيه عبر رسائل صوتية: "واجب وبنأديه، ضروري وما لازم نخلي الوضع هيك"... وفي مكان آخر "هذا اقل شي، هذا دورنا"، وكان يوزّع الكثير من الأدوار. يمثل نزار فرداً بقدرةِ خليّةِ نحلٍ على العمل، فقدرته إستثنائية على الإصغاء والاستعداد للتفاعل والتحرّك، تعكس مستوى تحفيزي عالي للمجموعات والقدرات التي تتفاعل معه. كان نزار يشجّع ببسالة مطلقة التحرّك والهَبّة من أجل مواجهة السلطة، إلّا أنه لم يدرك أن اغتياله سيكون قنبلة بوجه السلطة والاحتلال وأدواتهم... نعم نجح نزار بأنه " ما خلّى الوضع هيك" يقول أحد أصدقائه.

آمن نزار بكلّ عمل مقاوم ضد الاحتلال على بساطته، كان غاضباً. ومن الواضح أن مرحلة ما بعد اغتيال نزار هي المرحلة التي ستتيح فرصة إضافية في نضال الشعب الفلسطيني. لذلك علينا أن نتطلع بوضوح رؤية إلى أن لا مجال هناك للتخلّي عن كلّ من يحمل فكر نزار، وأن استمرار حركتنا اليوم هي رادع أساسي لأي محاولة اغتيال قائمة.

أعلنت عائلة نزار أنها تعرفت على 9 من عناصر الأمن الوقائي الذين نفّذوا عملية الاغتيال. أكّدت وجزمت العائلة تماسك نزار وثباته على مقاومته حتى آخر لحظة وأنه نهض مرة أخرى لحظة سقوطه بعد ضربه. من يعرف نزار يدرك أن هذا ليس مستغرباً عن نزار وعناده والتزامه، لتكون محطة إغتيال نزار هذه نقطة تشكيل فعل نهوض وقيامة لكلّ فلسطيني وفلسطينية، ولكامل التراب الوطني الفلسطيني، من البحر إلى النهر.