كلمة إيفلين حمدان في حفل تخرج طلاب المدرسة الحزبية المركزية

تهانينا لكم، يا من ثابرتم على متابعة دروس التنشئة السياسية طوال عام 2017-2018، وبذلتم جهداً شاقاً للحصول على الدبلوم. كما أتوجه إليكم بالشكر على تشريفي بدعوتكم لي إلى حفل تسلم شهاداتكم، الأمر الذي أسرني حقاً. نعم، لقد ولدت من نور فلسفة حسن/ مهدي، وما زلت أبحث في أعماقها المشعة في محاولة للوصول إلى كل إشارت وجوده اللانهائي.


ما أود قوله لكم: أنكم أنتم من ستقومون بتنشيط الحزب الشيوعي، وبنقل النَفَس الذي حمله مهدي عامل سابقاً خلال دوره التاريخي الذي امتلكه، إلى الحزب، وذلك بغية استكمال عملية الانتقال نحو الاشتراكية. لهذا السبب، فإن التثقيف السياسي للمناضلين مهم جداً، إنه الإسمنت الذي يبنيكم ويُوفر لكم الوعي والروح النقدية الضرورية للمعركة السياسية. فالحزب يحتاج إليكم ككوادر حذقة، حذرة، قادرة على إضاءة مسيرته الأيديولوجية.
لكن يجب أن تعوا بأن عليكم متابعة هذه العملية عبر العمل والتفكير الشخصي. هذه هي القواعد التي يجب توطيدها، وتوسيعها لكي تُقدم الإتساع والعمق لرؤيتكم السياسية. القراءة هي الوسيلة الحيوية لتحقيق هذا الأمر، والمحرك الرئيسي، والتغذية الأساسية للروح. في هذا السياق، أود ذكر العلاقة المذهلة بين مهدي والقراءة: مثل الماء الذي يشربه من قارورته ليروي عطشه الجارف. كان مهدي طوال حياته متعطشا للقراءة، وقارئاً نهما، إن في شبابه في فرنسا أو في قسنطينة أو في سنوات نضجه في بيروت حيث أنهكه العمل، فهو قارىء نهم. كان كل يوم يلتهم فصول عدة من كتب مختلفة؛ لا لحظة تمر دون توفر كتاب بين يديه، حتى عندما كان يطهو... يقرأ كتب في المجالات الأكثر تنوعاً: الفكر السياسي، الاقتصادي، التاريخي، الفلسفي، النظرية الرياضية، الفن، الأدب (رواية، شعر)، الدين، الإسلام، التصوف، المتصوفون المسيحيون... حرصه على قراءة كل شيء، وقدرته على معالجة جميع المواضيع، كانا رائعين.
عند حسن/ مهدي قيمة أخرى يمكن أن يُقدمها لكم: بالطبع هو رجل كتابة، وأنتم تدركون ذلك جيداً من خلال أعماله المكثفة والصعبة. لكنه قبل كل شيء رجل الكلمة. الحديث الشفهي هو الأساس عنده. علاوةً على ذلك، كانت أولى مداخلاته العامة شفهية قي قسنطينة، في دوراته التمهيدية للماركسية في دروس تعليم الكبار المسائية، في جامعة بن باديس. وبالنسبة إليه فإن الكلمة الشفاهية هي وسيلة للتواصل. في قسنطينة، ذهب إلى الريف في شرق الجزائر المعزول جراء الحرب، واستمتع بالنقاش مع الفلاحين (رجال ونساء وأطفال). استعرض معهم الواقع الاقتصادي، والاجتماعي والسياسي للبلاد؛ كان يأخذ النقاش، أحياناً، بعداً تأملياً فلسفياً حول الحياة والموت. الكلمة اللفظية التي استخدمها طوال حياته، استخدمها ايضاً مع طلابه وأطفاله ورفاقه وزملائه. إنها الكلمات التي تُغذّي روح محاوره. الكلمة كاشفة، قدمت له المفاتيح التي تتيح تفكيك تعقيدات الواقع. وهذا ما سيفعله لاحقاً خلال الحرب الأهلية: هو رجل الكتابة الذي سيتخلى عن الكتابة معطيا الأولوية للكلمة الشفهية، فيتفقّد المدارس العسكرية للحزب (كفروة، كفررمان، المشرف، إلخ...) لنقاش رهانات هذه الحرب مع الكوادر المستقبلية. لقد أحب بشغف هذه النقاشات التي سمحت للشباب رؤية المعركة بوضوح، في وقت لم يعد لأي شيء معنى. أود أن أذكِّركم بمن اشتهر بالرفيق طارق وبالاجتماعات العديدة التي عقدها في جميع أنحاء الجنوب، حيث استقطبت كلمته حشود القرويين عبر مضمونها المذهل، وهو ذات الفيلسوف صاحب الكتب الشاقة، مما أتاح لهم فهم الفوضى التي كان لبنان يغرق فيها.
حسناً، بدوركم الآن، فإن واحدة من المهام الشجاعة والناجعة حقاً التي عليكم تحقيقها: إذهبوا للتحدث إلى الناس في قريتكم، في منطقتكم، علموهم فك رموز حقيقة الواقع الذي يغوصون فيه، تتبعوا خيوط مقاومتهم ضد أؤلئك الذين يخنقونهم. أنتم من تلقيتم المعرفة، عليكم الآن أن تنقلونها. إجعلوا كل مَن حولكم يدرك ماهية شِباك اضطهادهم، أكشفوا لهم الأفخاخ التي تسعى القوى الرجعية أسرهم بها، وحددوا منهجية النضال للوصول إلى تحقيق تحررهم.
لأن كلمة مناضلي الحزب تتحول إلى فعل. هنا مرة أخرى أستحضر شخصية مهدي الذي لا تنفصل عنده الكلمة، الشفهية والمكتوبة، عن الممارسة. الكلمة والممارسة يرتبطان بعضهمها بعضاً، ويتشابك أحدهما بالآخر في تحالف مهيمن يقود الإنسان الملتزم نحو الثورة. معاً، عندما يلتحم كل واحد منكم برفاقه، تشكلون سلسلة بإمكانيات ثورية هائلة، قادرة على نقل الواقع السام، المميت (حامل الموت) إلى عالم جديد، عالم التغيير، عالم العدالة والتضامن والإنسانية. ستكونون أنتم بناة لبنان المستقبل. متحدون في الحزب الشيوعي، الحزب الطليعي الحقيقي، سوف تنخرطون في عملية الثورة الوطنية الديمقراطية التي تنتظرها جميع القوى الحية في البلاد.
نضع فيكم إيماننا وأملنا الحارق.
*كلمة ألقتها الراحلة في حفل تحرج طلاب المدرسة الحزبية المركزية للحزب الشيوعي اللبناني في بيروت 31-8-2018