ألاعيب التفافية على القضاء

منذ أن بدأ التحقيق بجريمة تفجير المرفأ، بدأت قوى السلطة بكيد المكائد وحياكة الألاعيب لوأد التحقيق عن بكرة أبيه، كون هذا المسار لا بدّ أن يأخذ بدرب تحقيقاته عدد من الوزراء المعنيين والمسؤولين الأمنيين والقضاة وعدد من الرؤساء في عدة عهود. فحجم الإهمال والتقصير (بالحد الأدنى) الذي أدى إلى وجود آلاف الأطنان من النيترات المتفجرة لعدة سنوات داخل المرفأ، لا يمكن تغطيته بأي شكل من الأشكال في حال بادر المحقق العدلي بتحقيق جدي واسع.

جلّ ما تستطيع فعله هذه القوى هو محاولة عزل المحقق العدلي لصالح محقق آخر مضمون في مسار عمله ولديه ما يكفي من طاعة كي يطوي الملف إلى المحفوظات، ويطوي معه جريمةً أودت بحياة المئات وجرحت الآلاف وهدمت منازل عشرات الآلاف. كما تستطيع أن تتلطّى أمام كذبة المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي يجري تشكيله من قبل المجلس النيابي نفسه، وهو ما يعني أيضاً طي الجريمة إلى المحفوظات. اليوم، يسير مسار التهديد والتخويف والتشكيك السياسي والإعلامي من جهة، ومسار طرح عشرات الدعاوى المضادة من دعاوى رد أو ارتياب مشروع أو تزوير، كما فعل عدد من الوزراء المسؤولين عن أمن أو انتظام أو إدارة المرفأ في الفترة الماضية، والمطلوبين إلى التحقيق والهاربين منه. 

مسار التحقيق العدلي ضروري وأساسي لكشف مدى المسؤولية السياسية والأمنية التي تكفي وحدها للإطاحة بهذا النظام القاتل القائم، لكنّ الأهمّ هو المحاسبة الشعبية عبر الانفكاك عن القوى المشكّلة لهذا النظام وخوض معركة التغيير في كل الاستحقاقات النقابية والبلدية والنيابية، كما في الحركة الشعبية في الشارع، كأشكال مختلفة من المقاومة الشعبية ضد النظام الطائفي الريعي، المدمّر للبنان ولشعبه وعماله وفقرائه، تماماً كما مشاريع التفتيت والتقسيم والتدخلات الخارجية.