من الجامعة إلى الوطن: المعركة واحدة نحو التغيير

 
تعود الجامعة اللبنانية إلى صدارة التحركات عند كلّ مفصلٍ أو استحقاقٍ وطني، في مدخلٍ أساسيّ لا بدّ من بلورة بعض أفكاره العامة. وتبقى الجامعة الوطنية الصرح الوحيد الجامع للطلاب من مختلف الخلفيات السياسية والطائفية لتعكس صورة حقيقية عن التشابك الوطني الذي لا تزال الجامعة منيعة عن محاولات السلطة الطائفية تطييفه وتفريعه.
فالسلطة تعتمد سياسة ممنهجة لضرب الجامعة اللبنانية حيناً بتخفيض الميزانية، وحيناً آخرَ بإعطاء رخصٍ عشوائيةٍ للجامعات الخاصة دون أدنى معيار يحفظ مستوى التعليم العالي في لبنان، ممّا يعرّض الجامعة للخطر عند كل محطة اقتصادية-سياسية. على المستوى الأكاديمي لا تزال الجامعة اللبنانية الأولى في لبنان بمستوى شهاداتها رغم ضعف الإمكانيات. إضافة أنها تشكل مساحة أساسية للتغيير وبناء الوعي عند الفئة الشابّة. والسؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هنا، كيف تكون الجامعة اللبنانية مدماك التغيير في لبنان؟
الجامعة اللبنانية مؤسسة منتجة للإقتصاد الوطني بأركانها: الميزانية، الأساتذة والطلاب
تتعمّد السلطة في لبنان، منذ ما قبل الحرب، إظهار التعليم الرسمي كعبء على الدولة اللبنانية
 ساعيةً لتصفيته وضربه بكل الوسائل المتاحة، علماً أن هذا الصرح يشكّل مؤسسة منتجة للاقتصاد من خلال تخريجه للكفاءات العلمية والأدبية التي حقّقت إنجازات على مستوى الوطن والعالم، ومن خلال الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية والعلمية، التي يمكنها خدمة المجتمع عبر حلّ مشاكله بشكلٍ علمي. بالتالي، يجب رفع ميزانية الجامعة لما تنتجه من أبحاث علمية وطنية، فضلاً عن دورها في إنتاج الثقافة الوطنية، وعلى السلطة أن تدرك أن لا مجال لتصفية الجامعة اللبنانية لأنها قضيةُ حقّ لحاجتنا إلى التعليم العالي المجاني. وبالتالي، ضرب أركان الجامعة الثلاثة (الميزانية والطلاب والاساتذة) سيؤدّي إلى توحيد شعار المدافعين عنها تحت عنوان "الجامعة اللبنانية خط أحمر".
واقع الحراك المطلبي في  الجامعة اللبنانية
شهدت الجامعة اللبنانية تحركات مطلبية على مستوى الطلاب والأساتذة في السنوات الأخيرة الماضية، لتطرح معضلة عند الطرفين المتحرّكين من أجل مطالبهم وهي "الوحدة". فيلجأ الأساتذة للإضراب المفتوح دوماً للمطالبة بحقوق التفريغ أو حماية المخصصات، بشكلٍ معزولٍ عن الطلاب، ثمّ يتراجعون بعد تعرّضهم للضغوط.
وفي هذا الأمر تشتيتٌ لوحدة الصفّ المطلبي في الجامعة الذي يخدم السلطة، بحيث تصبح هذه القضايا مقتصرةً على فئاتٍ محدّدة كالأساتذة... وبشكلٍ عام، تبقى تحرّكات الأساتذة ناقصة من غير دعم الطلاب لها، وإدراكهم لموقعهم الطبيعي إلى جانب الاساتذة وكل الفئات المتضرّرة من سياسات السلطة.
أمّا بما يخص الطلاب، تغيب الانتخابات الطلابية، وبالتالي تغيب المجالس التمثيلية للطلاب في كل فروع الجامعة اللبنانية، لتحلّ مكانها مجالس متربّصة دون وجه حق. هذا عدا عن غياب الإتحاد العام لطلاب الجامعة اللبنانية، الذي يخلق واقعاً متشرذماً ويجعل الطلاب دون جهة تمثل حقوقهم المهدورة في الجامعة.
النضال المطلبي الطلابي الحديث... لا بدّ من دفع وعي الطلاب والأساتذة نحو الوحدة
ظهر منذ عام 2015 شكلٌ جديدٌ من التحركات، التفّ على واقع هيئات المجالس الطلابية المترهّل والمتقاعس والتابع للسلطة، ليشكّل نواة ولجان عمل طلابية، استطاعت أن تقيم التحركات في الجامعة والضغط على السلطة، لمحاولة تسليط الضوء على حقوقهم واستطاعت تحقيق بعض الإنجازات. يُذكر منها ما عملت عليه بعض النوادي الطلابيّة مثل "نبض الشباب" و"لجنة السكن الجامعي". وحاليّاً في ما يخص إضراب الرابطة نشأت "مجموعة الطلاب المستقلين".
هؤلاء هم من وضعوا خارطة جديدة للتحركات، دفعت بالوعي الطلابي نحو كسر حاجز الخوف والنزول للساحات. هذا الوعي يتراكم ويترجم في أطر مرنة ومتحرّكة، لها برنامج سياسي طلابي يستطيع أن يربط الأزمة بأزمة النظام اللبناني ليواجه على أساسها. هذه التجارب يعوّل عليها لتوحيد الطلّاب، ودفع الأساتذة لساحة التحرك المشترك، كما كان الحال خلال الستينيّات والسبعينيّات، عندما كانت حركة الطلاب والأساتذة، في مناخاتها النقابية والمطلبية، تشكّل جذوة الأمل والتغيير على صعيد الوطن ككل.
ختاماً، يجب أن نعي نحن الطلاب كما الأساتذة، أننا الفئة الأقدر على حسم هذا النزاع وقلب الموازين، من خلال ثقلنا العددي والمعنوي، بعيداً عن المماحكة، والأخذ والرّد الذي سيفاقم الأزمة في الجامعة، كما يجب أن نبقى صفاً واحداً وألّا ننساق إلى المعارك الثانوية التي تجرّنا إليها السلطة. إنّ جامعتنا هذه انطلقت على وقع الإضرابات والاعتصامات، واستمرّت بفعل نضالات الطلاب والأساتذة معاً. وبالتالي، وفي ظل السياسات التي تدأب السلطة على ممارستها بحق الجامعة، يجب اعتبار المعركة واحدة، والسهام موجهة بنحوٍ واحد للتغيير من الجامعة إلى الوطن.
 
# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 358
`


بشار علي