بعد الثمانين أجدّد انتمائي

سألني أحد الرفاق السابقين ...! سؤالاً القصد منه استفزازي! أعتقد يا أبا ... قد ندمت طوال تلك السنوات التي أمضيتها في الحزب الشيوعي اللبناني! فكان جوابي الفوري والسريع: لماذا أندم يا رفيقي؟ طالما أنني لم أرتكب جريمة قتل! أو سرقة أو اختلاس أموال أو تزوير أو غيرها من الجرائم البشعة! وتأكد يا رفيقي ...

بأنني سأبقى شيوعياً ما دمت على قيد الحياة حتى وان فارقتها ... ودفنت في قبر التلاشي لن ولن أندم !! وآنت تعلم على اليقين بأنني انتسبت الى الحزب الشيوعي في سنّ العشرين وقد طحت اليوم الثامنين عاماً ... ولو يعود اليّ شبابي لما أخذت المضيّ بغير تلك الطريق التي أمضيتها في حزب شيوعي مناضل مكافح هدفه العدالة الاجتماعية .. هذا الحزب الذي ألهمني السير في الطريق المستقيم والقويم !! طريق النضال والكفاح في سبيل الدفاع عن حقوق العمّال والفلاحين وسائر الكادحين ... وطريق النضال ضدّ الاستعمار ومشاريعه وتكتلاته وأحلافه الحربية الهادفة الى اشعال حرب عالمية ثالثة ... وضد سياساته الاقتصادية التي تهدف الى نهب خيرات وثروات الدول العربية ومنها النفطية .. وللإطاحة بالحريات الديمقراطية والكرامة الانسانية! اذن لماذا أندم يا رفيقي؟ بل على العكس تماماً .. وقد أفتخر وأعتزّ!! بأني قد ناضلت مع مناضلين شيوعيين أوفياء منهم لا يزال على قيد الحياة، ومنهم من فارقها .. ومنهم من استشهد في سبيل وطن حرّ وشعب سعيد !! وأختم رسالتي هذه رداً على قولك وقول أمثالك، بالآتي: لقد دخلت السجن عشرون مرة ولا مرّ الندم على البال مرّة! أمّا الرفاق المناضلين الشيوعيين .. نتمنى لهم العمر المديد أمثال: سعيد صيداوي ومحمد إسماعيل الايوبي وفؤاد أروادي وطه صافية وجوزيف خزامي ورياض كيال وغيرهم. لعلّم يرددون سوياً: 

وسجناً دخلنا جميعاً، فلا ذلاً رضينا ولا خنوعاً .. 

رفاقاً في الكفاح! فما عرفنا وقوفاً في الطريق ولا رجوعاً! 

ملاحظة: نشر هذا النصّ في النداء في العدد ٢٧٥، الصادر في ٣٠ تشرين الاوّل عام ٢٠١٥. ونعيد نشره في هذا العدد بعد رحيل المناضل الوفيّ والثابت دوماً في قناعاته، الرفيق محمد صافية (أبو نوري). 

 

*************** 

نبذة عن حياته

  • منذ الاربعينيات بدأ الرفيق الكادح ابو نوري (مواليد 1928) في رحلته النضالية مع الحزب الشيوعي السوري – اللبناني ومع الحزب الشيوعي اللبناني في العمل السري والعلني وكان شعلة مضيئة في سماء لبنان وسورية من اجل وطن حر وشعب سعيد. كان الرفيق ابو نوري يعمل في محله صغير الحجم الذي حوله الى مركز سري للنشاط والعمل الحزبي، كما حول منزله مركزاً للإجتماعات ومكتباً لتنظيم الحملات الانتخابية والتظاهرات النقابية المطلبية السياسية.
  • كان الرفيق أحد مؤسسي منظمة الحزب الشيوعي اللبناني في طرابلس الميناء ومن مؤسسي الاتحاد الوطني للنقابات العمالية في الشمال وهو من الرعيل الاول للمناضلين النقابيين الشيوعيين في لبنان ورفيق القادة النقابيين الذين اسسوا الاتحاد الوطني ونقاباته امثال الرفاق الياس البواري وخليل الدبس والياس الهبر ومصطفى العريس وسعد الدين مومنة، ولاحقاً في الشمال مع النقابي الشيوعي القائد ايليا عوض. وهو رفيق درب الشهيد الشيوعي القائد فرج الله الحلو والرفيق الراحل نقولا الشاوي والرفيق يوسف خطار الحلو والشهيد الرفيق جورج حاوي والشهيد أبو حسن المير الأيّوبي.
  • شارك الرفيق ابو نوري منذ 1943 في مختلف الانشطة والتحركات والتظاهرات المطلبية والنقابية والوطنية والقضايا العربية والقومية والقضية الفلسطينية وضد الاستعمار التي كان يدعوا اليها الحزب، وكان من طلائع الحرس الشعبي وحركة الانصار في جنوب لبنان وخدم في القرى الامامية المحاذية لفلسطين المحتلة الى جانب رفاقه الشيوعيين.
  • اعتقل عدة مرات في السجون اللبنانية والعربية دفاعا عن القضايا الوطنية والمطلبية والعمالية والقومية العربية والعالمية التحررية. في سنة 1970 - 1973 شارك في دورات فكرية - سياسية في المدرسة الحزبية وتدريبية عسكرية في الاتحاد السوفياتي وبلغاريا. فقد ابنه الشهيد توفيق صافية الذي دافع وقاتل مع رفاقه الشهداء والاحياء دفاعاً عن طرابلس والميناء وعن الحزب في وجه القوى الظلامية التي عاثت فساداً وقتلا واجراماً في المدينة. اختطف وعذب وقتل على يد مجموعة جبانة في حركة التوحيد الاسلامية الظلامية، ورغم ذلك لم يساوم او يهادن.
  • الرفيق ابو نوري الذي لم تلويه المصاعب ولا استشهاد فلذة كبده توفيق واستشهاد رفاقه في جريمة العصر ضد شيوعيي منظمة الميناء، لم يتعب من الكفاح والعطاء واستمر بنضاله الحزبي والنقابي والجماهيري مع افراد عائلته المناضلة. 
  • كما ساهم في كتابة مقالات عديدة متنوعة فكرياً وسياسية ونقابية وحزبية في جريدة ومجلة النداء.
  • في صباح يوم 25 حزيران ٢٠٢١، فقدت السنديانة الحمراء فرعاً اصيلاً من أعضائها.
  •  كان الرفيق ابو نوري الانسان المتواضع الشيوعي الكتوم والمخلص لحزبه لا يعرف البغيضة ولا النميمة، كان مثالا للاب والرفيق الخلوق والهادئ والشجاع والعنيد من اجل حزبه وقضايا شعبه ومناضلاً شيوعياً ونقابياً متفانياً من اجل كل الكادحين والفقراء ومن اجل الطبقة العاملة اللبنانية.