في ذكرى اغتيال كمال جنبلاط

لم يكن كمال جنبلاط مفكراًوسياسياً لبنانياً بارزاً فقط، بل كان قائداً ورئيساً لحزبه التقدمي الاشتراكي وللحركة الوطنية اللبنانية التي شكلت تحالف للاحزاب الوطنية واليسارية، في ظروف احتدام الازمة الاقتصادية 4الاجتماعية والوطنية، دفاعاً عن مصالح الوطن وقضايا الشعب الاجتماعية.

بعد 47 سنة على اغتياله في 16 آذار 1977 ما تزال مواقفه على رأس الحركة الوطنية ومشروعها للاصلاح المرحلي، ضرورة وطنية لبنانية، إضافة لما حملته في دعم النضال الفلسطيني والعربي. لذلك لم يكن اغتياله جريمة موصوفة مقتصرة على رجل بهذا الحجم الكبير فقط، بل جريمة بحق شعبنا ووطننا ومصالحه وطموحاته في التغيير لاخراج لبنان من دوامة الانقسامات والتناقضات الطائفية والحرب الاهلية ةالازمات المتمادية وصولا الى الانهيار. كما انها جريمة بحق الشعب الفلسطيني وقضيته، التي كان جنبلاط وحركته الوطنية في موقع مناصرتها ومساندة مناضليها وتعزيز حضورها كقضية محورية اساسية على المستوى العربي والتحرري والعالمي.
لقد كان الغرض من اغتياله، اغتيال وضرب المسار الوطني والشعبي الهادف الى بناء لبنان جديد سيد عربي ديمقراطي علماني، يوحد الشعب ولا يفرق بين ابنائه، فيعزز بذلك مناعة ووضعه الداخلي ويحد من التأثيرات السلبية للاحداث والتطورات الخارجية. ويجعل في الوقت نفسه التعدد في الانتماء للطوائف ضمن المجتمع، تحت سقف الديمقراطية وضمن وحدة لبنان وسلمه الاهلي، بعيداً عن النزاعات والتسوبات الؤقتة التي يطغى فيها التحاصصات الطائفية على مصالح الشعب والوطن. وقد كان من اهداف هذه الجريمة ضرب وجود الحركة الوطنية اللبنانية التي اخذت تشكل قيادة شعبية ووطنية على المستوى اللبناني، ومثالاً بارزاًعلى مستوى الشعوب العربية، لحرمان تحركاتها وانتفاضاتها من برنامج وقيادة موحدة تمنع حرف مسارها ومصادرتها. لذلك لم يكن طابع الاغتيال محلياً فقط.
لكن التجربة التاريخية لشعبنا وشقيقه الشعب الفلسطيني وغيرهما، تظهر ان جرائم الاغتيال والقمع والعنف الدموي والمجازر الوحشية، قد تؤخر النجاح واهداف النضالات والانتفاضات الشعبية في ظروف معينة، لكن لا يمكنها مصالح وحقوق هذه الشعوب وطنياً واجتماعياً. فحاجاتها المعيشية تدفعها الى التعبيرعنها بالعودة الى الشوارع وساحات النضال والمقاومة والثورات، طالما لم تتحقق حاجاتها وقضاياها. مها هو الوضع اللبناني الذي ابقوا مرتكزات نظامه السياسي ودولته بعد اتفاق الطائف، على الاسس الطائفية نفسها، مستبعدين الاصلاح الضروري الذي تجلى بمضمون البرنامج المرحلي للحركة الوطنية، تستمر فيها استيلاد الانقسامات والخلافات بين اطراف السلطة من جديد، وتصل الى تهديد الكيان والدولة بالتصدع، مترافقاً مع الانهيار والتدهور المعيشي والحياتي لشعبنا. وهذا ما دفع لانتفاضة 17 تشرين المليونية التي دامت شهوراً في الشارع والمناطق، مطالبة باسقاط النظام وطائفيته وسياساته الاجتماعية الطبقية. واذا ما ووجهت بالقمع السلطوي الرسمي على مداخل المجلس النيابي، والقمع الميليشيوي الطائفي، وتلاقي كل زعامات الطوائف في التآمر والضغط الطائفي لمنعها من الانتصار، الا ان ما حملته من معاني و ابعاد، برهن على عدم صلاح الاستمرار بهذا النظام. ويتجلى اليوم بتكاثر الاضرابات والاعتصامات رداً على تفشي الفساد وسرقة المصارف اموال المودعين، وسياسة الافقار والتجويع . وان ما يجري من محاولات تضليل وتحايل على الشعب وتخديره طائفياً بتسويات مؤقتة ومكررة حتى مع انتخاب رئيس جمهورية على ضرورته، لم يشكل خروجاً للبنانمن حالة الاحتضاروهذا ما يؤكد ضرورة اهداف الحركة الوطنية والقائد كمال جنبلاط، وصحة الموقف النضالي المطالب بالتغيير والاصلاح الجدي الذي تعارض الطبقة السلطوية تحقيقه.
ونرى كذلك ان الارهاب الصهيوني والدعم الاميركي والغربي المكشوف له عسكرياً وسياسياً ومالياً، لم يوقف نضال الشعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال فق تحول نضاله من انتفاضات الحجارة الى المقاومة المسلحة كما يجري اليوم في غزة ومحيطها بخاصة. ولا حلول حقيقية قابلة للحياة الا باقامة دولة فلسطينية ديمقراطية علمانية يعيشفي ظلها كل العاملين لتحقيقها. والمعروف ان الحلول المؤقتة ترتبط بميزان القوى، بينما تتأسس الحلول الثابتة على منطق الحق.

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 421
`


موريس نهرا