اعلان انتفاضة المحامين الكبرى

نقيب المحامين في بيروت "ملحم خلف": نُعلن الخُطوة الأُولى من هذه الإنتفاضة بدعوة المعنيين لإقرار إقتراح قانون إستقلالية القضاء فوراً في مهلة لا تزيد عن عشرين يوماً. 

 

دعا مجلس نقابة المحامين في بيروت الى لقاء عام للمحامين، أثناء إضرابهم المستمرّ منذ أكثر من عشرة أيامٍ، في قاعة الخُطى الضائعة في قصر العدل في بيروت عند الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم الثلاثاء في 8/6/2021، تخلّله نداء أطلقه نقيب المحامين في بيروت الدكتور ملحم خلف كما تخلله وضع مجلس النقابة لإكليل من الزهر على نصب القضاة الشهداء الأربعة ووقوف دقيقة صمت إجلالاً لأرواحهم الخالدة، وهنا نصّ النداء. 

طفح الكيل! طفح الكيل من قضاء يخاف القوي ويمارس القوة على الضعيف! طفح الكيل من قضاء مسخر مطواع مسيّر! طفح الكيل من قضاء متشاوف متعال مكابر! طفح الكيل من قضاء غير فاعل غير منتج وغير حرّ! طفح الكيل من قضاء يصرف النفوذ ويذهب الى حد مخالفة القوانين! طفح الكيل من تقويض القضاء بالمحاباة والمصالح! طفح الكيل من قضاء اسقط استقلاليته مقابل مراكز طائفية ومذهبية! اياكم التطاول على المحاميات والمحامين! اياكم تجاهل مطالب نقابة المحامين في بيروت! اياكم التعرض لكرامة المحامين والمس برسالتهم والحد من دخولهم قصور العدل! اياكم تخطي الأُصول! حاولتم اسقاط الجناح الذي يسمو بكم الى اعلى، فسقطتم من علو في حفرة التناحر والتجاذب والانقسام! حاولتم تغطية ضعف ابتعادكم عن استقلاليتكم فتماهيتم مع مَن يُحاول إسقاطكم! اسقطتم السلطان المعطى لكم واحتفظتم بالسلطة البائسة الفاشلة! عودوا عن تجاوزاتكم وأخطائكم الآن!

أيّها المحاميات والمحامين الأعزاء،

اليوم، لست بصدد إطلاق موقفٍ أو بيانٍ أو كلماتٍ أو شعاراتٍ، نقف عندها، ويذهب بعدها كلّ واحدٍ منّا في طريقه. اليوم، الكلام الإعتراضيّ الإحتجاجيّ لم يعد مجدياً أمام التدهور الدراماتيكي السريع على كلّ المستويات. اليوم، أُطلق نداءً موجّهاً لكّل فردٍ منكم، بحيثياتٍ وأهدافٍ ومطالبَ واضحة المعالم والأبعاد، يستدعي تعاضداً مهنيّاً تاريخياً إنقاذيًّا في لحظةٍ "أبوكاليبتية" يشتعل فيها الوطن.

أيّها الزميلات والزملاء الأحباء،

أُناديكم اليوم،

لتعلموا أنّ نقابة المحامين، منذ أشهرٍ، تُحاول ولا تزال إنقاذ الواقع القضائي المُنهار، ليس حمايةً لقُضاةٍ شجعان شرفاءٍ وحسب، ليس قناعةً أنّ القضاء هو مَن ينشلنا من واقع أزماتنا المتراكمة وحسب، بل تحصيناً لقضاءٍ-حجر زاوية الوطن- مِمَن يضربه بشكلٍ ممنهج، ليُسقط مرفق العدالة والوطن في آنٍ. أُناديكم اليوم، لتعلموا أنّ ما إختبرناه خلال هذه الأشهر، من معاناة وتجاوز للأُصول من بعض القضاء بحقّ المحامين ونقابتهم، ومِن عدم تعاون بين جناحي العدالة، حملتنا الى البحث عن أسباب هذه التجاوزات من دون التوقف فقط عند ظواهرها؛ فثَبُتَ لنقابة المحامين أنّ سببها الأساس هو غياب إستقلالية القضاء؛ وبغياب هذه الإستقلالية تربّعت منظومة سياسية أمنية قضائية في قصور العدل حمايةً لمنظومةٍ فاسدةٍ أكبر.

أُناديكم اليوم،

لتعلموا أنّنا من خلال هذا الإضراب منذ أكثر من عشرة أيامٍ، مددنا اليدّ إفساحاً في المجال، لهذا القضاء للعودة عن الأخطاء والتجاوزات؛ عبثاً فعلنا، ولم نلقَ إلا آذاناً صمّاءَ! مع العلم أنّ نقابة المحامين مُستمرة في التشدّد في تطبيق قوانينها وأنظمتها على كلّ المحامين من دون أيّ تمييز، ليكونَ المحامون قُدوةً؛ ولن تُغطيّ نقابة المحامين أيّ محامٍ مُرتكب بل تُحاسِب كلّ مَن خالف قَسَمه!

أُناديكم اليوم،

لتعلموا أنّه إذا كان الإضراب وسيلةً للإعتراض والتعبير، دأبت عليه نقابة المحامين عشرات المرّات منذ تأسيسها حتى اليوم، فإنّ هذه المنظومة تحاول إستغلاله للإيحاء أنّ مرفق العدالة متوقف بسبب نقابة المحامين والمحامين، وليس بسبب غياب كليّ لحدٍّ أدنى من بيئة قضائية سليمة، ولن أسترسل في سرد معاناتنا المأساوية، نحن المحامين والقُضاة والمساعدين القضائيين...

ألم يغِب عن قصور العدل كلّ شيءٍ، مِن إستقلالية قضائية وإستقلالية بعض القُضاة، وصولاً حتى الى الطوابع وأوراق المحاضر والكهرباء والصيانة، ناهيكم بالنفايات التي تغزو صروحها؟! ما هذا الذّل الذي نعيشه!؟ هل نبقى صامتين؟! أُناديكم اليوم، لتعلموا أنّ، العدالة في خطرٍ على بقائها؛ حين تُنحر العدالة، حين تُغتال الحقيقة، حين تُشوَّه مفاهيم القانون، حين تُدمَّر مسارات الحقّ، حين يُعطَّل عمل القضاء، حين يُستكَنف عن إحقاق الحقوق، حين تُحوَّل أروقة قصور العدل والمحاكم العسكرية الى مذبحة لإستقلالية القضاء، حين تُكرَّس أساليب الدولة البوليسية الأمنية، حين تعود لغة الإنتقام وإستيفاء الحقّ بالذات وشريعة الغاب وعدالة القبائل، حينها لا يعود مِن مكانٍ لتسوياتٍ قاتلة، حينها تضحى مسؤوليتنا الأخلاقية أنْ نكرّس إنتفاضة كُبرى لا هوادة فيها على مَن يصمّم على تدمير الهيكل على رؤوسنا، رؤوسنا جميعاً!

أُناديكم اليوم، لتعلموا أنّ أيّ إصلاحٍ لواقعنا المرير يبدأ، بإستقلالية القضاء، إستقلالية القضاء، ولا شيء غير إستقلالية القضاء! أليس أنتم مِن الناس؟! وأنتم العالمون جيداً: أنّه في غياب إستقلالية القضاء، تجاوز بعض القضاء كلّ الأُصول مع نقابة المحامين، أنّه في غياب إستقلالية القضاء، مُنع المحامون من مزاولة المهنة بمخالفة صارخة للقوانين، أنّه في غياب إستقلالية القضاء، إعتُديَ على المحامين وعلى الناس وإنتُهكت كرامتهم وتمّ سجنهم زوراً، والمُعتدون يُكافَؤون على أفعالهم، أنّه في غياب إستقلالية القضاء، إضطُهد المحامون والناس المُكافحون للفساد، أنّه في غياب إستقلالية القضاء إستشرى الفساد في كلّ وزاراة وإدارات الدولة، أنّه في غياب إستقلالية القضاء، ضاعت ودائع المحامين والناس في المصارف، أنّه في غياب إستقلالية القضاء، حُفظت ملفات الفساد وأُطلق سراح الفاسدين وتبخّرت الأموال المنهوبة، أنّه في غياب إستقلالية القضاء، عاش القضاء الإنتقائي الإنتقاميّ، أنّه في غياب إستقلالية القضاء، إنعدم مبدأ فصل السلطات، أنّه في غياب إستقلالية القضاء، سقط التدقيق المالي الجنائي في مصرف لبنان وفي كلّ مؤسسات الدولة، أنّه في غياب إستقلالية القضاء، إمّحى العيش الكريم للمحامين والناس، أنّه في غياب إستقلالية القضاء، يُذّل المحامون والناس في طوابيرٍ طويلة تأميناً للغذاء والدواء والإستشفاء والوقود والكهرباء، أنّه في غياب إستقلالية القضاء، تتعثّر العدالة للمحامين والناس في قضية تفجير المرفأ والعاصمة بيروت، أنّه في غياب إستقلالية القضاء، ينهار القضاء بأشكالٍ شتّى، وتنهار معه الدولة!

أُناديكم اليوم،

لتشعروا أنّ القُضاة الشرفاء والشجعان همّ إخوتنا في السراء والضراء، في المعاناة والنضال، وأنّه في غياب إستقلالية القضاء، حُرم هؤلاء القُضاة مِن تشكيلاتٍ قضائية، وأنّه في غياب إستقلالية القضاء، إنتهت، بخطورةٍ جسمية، ولاية أكثرية أعضاء مجلس القضاء الأعلى، وأنّه مِن واجبنا الأخلاقي أنْ نُناصر قُضاتنا العادلين منهم، في كلّ حين، وأنّ نقابة المحامين شاركت بكلّ إندفاعٍ في صياغة إقتراح قانون إستقلالية القضاء، المتواجد حالياً في أدراج مجلس النواب؛ ونقابة المحامين أرادته مطابقاً لمعايير الديموقراطية التي ترعاها "لجنة البندقيّة COMMISSION DE VENISE"، بعيداً عن التعصّب المهنيّ وعن التقوقع المذهبيّ الطائفي الزبائنيّ، وتكريساً لإستقلالية القاضي والقضاء.

أُناديكم اليوم،

لأُنبّهكم أنّنا نحن والناس أمام أيامٍ مصيرية! لبنان الكبير في خطرٍ على الكيان! الوطن في خطرٍ على الهوية! نحن في خطر الموت المُحتَّم! لن ننكسر! سنناضل وننتصر! الفجور النافر في ممارسات تحالفات المنظومة ممنهج! إنهيار حقوق الشّعب ممنهج! ضرب المؤسسات الدستورية ممنهج! ضرب مقومات الإقتصاد ممنهج! ضرب الحماية الإجتماعية ممنهج! ضرب هوية العيش الواحد النموذجية ممنهج! ضرب صلة لبنان بالعالم والمجتمع الدولي ممنهج! ضرب الدستور ممنهج! ضرب القوانين ممنهج! ضرب القضاء ممنهج! الإنقضاض على الحريات العامة وحقوق الإنسان ممنهج! كلّ ما يحصل، هو قتلٌ متعمّدٌ عن سابق تصوّر وتصميم، وجريمة منظمة ترقى الى مستوى الجريمة ضدّ الإنسانيّة، وكلّنا ضحاياها!

أُناديكم اليوم،

لنطلب منكم، أعضاء مجلس نقابة المحامين وأنا، أنْ نستمرّ في إضرابنا لحين تصحيح العلاقة مع نقابة المحامين والرجوع عن الأخطاء بحقّ النقابة والمحامين، والرجوع عن الخطأ فضيلة، وأنْ نتجاوز حدّ الإعتراض والصرّخة والرفض، وأنْ نُعلن بدء إنتفاضة المحامين الكُبرى، حمايةً للمحامين ونقابة المحامين، وتحصيناً للقُضاة الأنقياء وللقضاء النزيه الكفوء، وإرجاعاً لقصور عدلٍ لائقة ولعدالة كاملة، وإحقاقاً لحقوق الناس، وإسترداداً للدولة!

أُناديكم اليوم،

لنُترجم هذه الإنتفاضة بخطواتٍ عمليةٍ نافعةٍ، إزاء إستهداف حقوقنا وحقوق المواطن وحقوق الوطن؛ نحن فرسان العدالة، نحن رُسل الحقّ، نحن أبناء هذا الوطن، معنيّون بتحريره من مخالب الظلام، لنُعيد بعضاً من نوره المخطوف في لحظةِ صمودٍ، تمهيداً لشعلةٍ يتوهجّ فيها لبنان الرسالة مجدداً. نحن في وقفة ضميرٍ نريد فيها أنْ نُعلن بالصوّت العالي أنّنا في نقابة المحامين لسنا في إنكفاءٍ عن العدالة ولا عن الشأن العام، بل نحن في مواجهةٍ مع مَن فتّت السلطات والمؤسسات والخير العامَّ، مواجهةً مفتوحةً!

 

لــــــــــــــــــــــــــــكّل لــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــذلك،

أولاً، نناشد كلّ اللبنانييّن للإلتفاف حول هذه الإنتفاضة الكُبرى كقوّة مُجتمعيّة حيّة مُتراصّة متضامنة جامعة، رفعاً للظُلم والظلام عنّا جميعاً، وتحقيقاً للعيش الكريم.

ثانياً، ندعو نقابة المحامين في طرابلس-وهي لم تُقصِّر يوماً-، وندعو القضاة، للإنضمام الى هذه الإنتفاضة لنحقّق سوياً المطالب المُحقّة المنوّه عنها في هذا النداء ولإنتظام العمل القضائي وتفعيله.

ثالثاً، نُعلن الخُطوة الأُولى من هذه الإنتفاضة بدعوة المعنيين لإقرار إقتراح قانون إستقلالية القضاء فوراً في مهلة لا تزيد عن عشرين يوماً، على أنْ تُعلَن الخطوات اللاحقة في الأيام الآتية.

في حال، عدم دخول هذا القانون حيز التنفيذ، لا أحد يلومنّ المحامين إذا أقفلوا جميع قصور العدل على كلّ الأراضي اللبنانيّة، ليس إيقافاً لمرفق العدالة بل إيقافاً للّاعدالة!

والسلام. 

 

ملحم خلف

نقيب المحامين

بيروت، في ٧ حزيران ٢٠٢١.