السّياسات النيوليبراليّة تخنق العالم

لم يأبه بولسونارو بالمخاوف العالمية تجاه التعديات التي تتعرّض لها أكبر غابة مطيرة على سطح الكوكب، غابة الأمازون.
منذ ثلاثة أسابيع والحرائق تلتهم بمعدّل قياسي الرّئة التي تزوّد العالم بـ 20% من الأوكسيجين، وبالتالي تنسف كلّ الجهود الهادفة إلى مكافحة التّغيُّر المُناخي.
وسائل الإعلام العالميّة غارقة في سباتها حيال ما يحدث، بينما يتقاذف سياسيو الصّف الأول في البرازيل الإتهامات والنتيجة حسب تقرير المعهد الوطني لأبحاث الفضاء البرازيلي (INPE) "إنّ هناك 72.843 حريق في البرازيل هذا العام، وأكثر من نصفها في منطقة الأمازون بزيادة نسبتها 83٪ مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي".

في بثٍّ حيٍّ عبر موقع فيسبوك مباشر، اتّهم الرّئيس البرازيلي المنظمات غير الحكومية بافتعال الحرائق لتشويه صورة عهده زاعماً أنّ السّبب في ذلك يعود إلى تخفيض تمويل هذه المنظمات.
تبع ذلك حملة تصريحات واتهمات متبادلة، وصفت كلام بولسونارو بالسّخيف وغير المسؤول محمّلة سياساته البيئيّة التي أشاحت بوجهها عن تجاوزات المزارعين، مسؤولية ما يحصل في الغابة التي تضم أنواعاً لا حصر لها من الحيوانات والنباتات، ويسكن فيها 34 مليون مواطن على الأقل والتي تلعب دوراً بارزاً في إبطاء ظاهرة الاحتباس الحراري.
عالم البيئة البرازيلي كارلوس نوبري اعتبر أنّ المزارعين ينتظرون موسم الجفاف، لحرق الغابات واستغلالها. وأرجع ارتفاع نسبة الحرائق هذا العام إلى إزالة الغابات بطريقة عشوائيّة لأنّها لم تكن جافّة لدرجة تجعلها تحترق كما يحصل الآن.
كما أكّد الخبير في برنامج إطفاء الحرائق ألبرتو سيتزر، أنّ الجفاف يمكن أن يساعد في انتشار الحرائق، لكنّها كلّها من فعل إنساني، وأضاف: "لا يوجد شيء غير طبيعي في ما يتعلّق بالمناخ هذا العام أو هطول الأمطار في منطقة الأمازون، التي تقل قليلاً عن المتوسط.. إنّ الناس كثيراً ما يلومون موسم الجفاف على حرائق الغابات في الأمازون، لكن هذا اللّوم ليس دقيقاً تماماً".
منذ وصوله إلى الحكم خفّض بولسونارو حمايته للأمازون وانتقد ووزراؤه العقوبات المشدّدة المفروضة على انتهاكات القوانين البيئيّة، معتبراً أنّ للمزارعين الحقّ في إحراق مساحات من الأراضي بغية استغلالها في زراعة فول الصّويا وتربية الماشية. وتعهّد بتطوير الزراعة والتعدين في منطقة الأمازون، متجاهلاً المخاوف الدّولية بشأن زيادة إزالة الغابات.
وكان قد حذّر المعهد الوطني لأبحاث الفضاء (INPE) من تزايد معدلات التعديات البيئية، فقد أظهرت البيانات زيادةً في نسبة 88% في تموز مقارنةً بالشهر نفسه من العام الماضي. لكنّ بولسونارو تجاهل الرّقم واتّهم المعهد بالكذب والتواطؤ ضدّ حكومته. كما عمد مؤخّراً إلى طرد مدير المعهد الوطني للإحصاء بعد أن انتقد إحصائيات الوكالة التي أظهرت زيادة في إزالة الغابات في البرازيل، واصفاً إيّاها بغير الدقيقة. ولدى سؤاله عن انتشار الحرائق غير الخاضعة للرقابة، أجاب:
اعتدتُ على تصويري حاملاً المنشار. الآن أنا نيرون، الذي يحرق الأمازون!
في تموز المنصرم، وصفت منظمة السّلام الأخضر بولسونارو وحكومته بأنهما يشكّلان تهديداً للتوازن المناخي وحذّرت من أنّ هذه السّياسات على المدى الطويل سيدفع العالم ثمنها باهظاً.

وتناقل مستخدمو وسائل التّواصل الصور والتعليقات التي تظهر حجم الكارثة، وبدت سماء ساو باولو أمس مظلمة بسبب الدّخان المتطاير الذي حجب الرّؤية. وهي ناتجة عن احتراق كميات هائلة من الغابات على بعد آلاف الكيلومترات، كما تسبّب الدّخان الذي حملته الرياح بانقطاع الكهرباء لمدة ساعة في الولاية. وقد ساعد هطول الأمطار ليلاً من الحد من تمدّد الحريق، ما بعث التفاؤل في النّفوس.


الإهمال البيئي هو نتاج سياسة غير واعية، تحاول زجّ المناكفات السّياسية في قضيّة لا تحتمل الجدال.وجشع الرئيس اليميني المتطرّف ومحاولته إسكات الأصوات المحذرة من تزايد الإهمال، سيحوّل الغابات المطيرة إلى سافانا جافة غير صالحة للتنوّع البيئي. فالصندوق العالمي للحياة البرية، دقّ ناقوس الخطر معتبراً أنّ جفاف هذه الغابات سيجعلها مصدراً لانبعاث الكربون، وهو السبب الرئيسي في الخلل المناخي بدلاً من أن تكون مصدراً للأوكسجين.
وقد حذّر فيديل كاسترو من خطورة السياسات النيوليبرالية المدمّرة للبيئة وذلك خلال خطاب ألقاه في مؤتمر للأمم حول البيئة والتنمية في ريو دي جانيرو في 12 حزيران 1992. وممّا جاء في الخطاب:

"من الضّروري التّذكير بأنّ المجتمعات الاستهلاكية هي المسؤولة أساساً عن هذا التّدهور الفظيع للبيئة، لأنّها وليدة العواصم الاستعمارية القديمة وسياسات الإمبريالية التي أوجدت بدورها التّخلف والفقر اللذين يدمّران البشريّة.
تتلاشى الغابات وتمتدّ الصحاري، وينقرض عدد كبير من الأجناس الطبيعية، ويؤدي الضغط السكاني والفقر إلى القيام بجهود يائسة للبقاء على قيد الحياة حتى على حساب الطبيعة.
لا يمكن إلقاء اللّوم في ذلك على دول العالم الثالث لأنّها كانت مستعمرات في الماضي، ويتم استغلالها ونهبها اليوم بسبب وجود نظام اقتصادي عالمي غير متكافئ.
لا يمكن أن يكمن الحلّ في تجريم الدّول الأكثر حاجة للتّنمية منها، في الواقع إنّ كلّ من يساهم اليوم في التّخلف والفقر يشكل إساءة كبرى للإكولوجيا.
إذا ما اُريد إنقاذ البشرية من ذلك التدمير الذاتي، ينبغي توزيع الثروات والتكنولوجيات على الأرض بطريقة أفضل، والتّقليل من التّبذير، والتّرف لدى عدد قليل من الدول من أجل تخفيف حدة الفقر والجوع في جزءٍ كبيرٍ من الأرض.

لندفع ثمن الديون الإكولوجية بدلاً من الديون الخارجية. دعونا نعمل من أجل زوال الجوع وليس من أجل زوال الإنسان.
طالما زالت التهديدات الشيوعيّة المزعومة، ولم يبقَ هناك من ذريعة أو حجة للحروب الباردة وسباق التّسلح والإنفاق لأغراض عسكرية، ماذا يمنع إذاً من توجيه تلك الإمكانيات لإنماء العالم الثّالث، ومكافحة التّهديدات بتدمير كوكب الأرض إيكولوجيّاً؟
لنضع حدّاً للأنانيّة والهيمنة واللامبالاة وعدم الإحساس بالمسؤولية والخداع، وإلا فإنّنا سنخسر الغد بعد تضييع فرصة عمل ما يتوجب فعله منذ زمن طويل."

 

 

  • العدد رقم: 363
`


لينا الحسيني