التعاون الصيني العربي في ظل المتغيرات الدولية

في كلمته التي ألقاها في افتتاح أعمال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني أشار الرئيس تشي جي بينغ إلى أن العالم وصل إلى مفترق طرق في مسيرة تاريخه، حيث يتوقف اتجاه سيره على خيار شعوب دول العالم. وفي ختام زيارته لروسيا التي أجراها مؤخراً صرح الرئيس الصيني بإن "هناك تغييرات لم تحدث منذ 100 عام. وعندما تجتمع روسيا والصين معاً، فإنّهما ستقودان هذا التغيير".

هاتين الإشارتين والتي صدرتا في مناسبتين ذات أهمية بالغة تُشيران إلى أن الصين قد اتخذت قرارها في السعي نحو عالم متعدد الأقطاب ومشت الخطوات الأولى نحو الخروج من حالة الانكفاء إلى مرحلة لعب دورٍ رئيسي في الساحة الدولية. وما لا شك فيه فإن العالم العربي والذي كان خلال الحرب الباردة منقسماً بين ضفتي شطري الصراع، وأصبح فريسة تحكم وهيمنة القطب الواحد خلال العقدين المنصرمين، فإنه بات اليوم وفي سياق المتغيرات العالمية يحثُ الخُطى لأن يحجز مقعداً له وأن يخرج من حالة الاستقطاب أو التبعية التي فرضت على قسم كبير من دوله.
ولذلك يمكننا القول إن التعاون الصيني العربي في هذه المرحلة يصبُ في عملية تسريع التحول نحو التعددية القطبية وإن زيادة وتيرة التقارب بين الطرفين سوف تكسر حالة الحاجز الجليدي الوهمي بين الطرفين، الذي صنعته الدوائر الغربية وعبر عقودٍ من الزمن. هنا يمُكننا أن نُشير إلى أن العقد الأخير قد مهد لهذا التقارب، وإذا أخذنا زيارة الرئيس الصيني في عام 2016 لمنطقة الشرق الأوسط والتي شملت إيران والسعودية مصر كنقطة بداية لتأكيد إن تطلع الصين لم يعد يتوقف عند المصالح الاقتصادية البحتة، وهذا ما تم التعبير عنه من خلال إصدار الحكومة الصينية في حينها (ورقة السياسية العربية) والتي أكدت فيها توجه الصين نحو التعاون مع الدول العربية في المجالات التالية: الطاقة - إنشاء البنية التحتية والتجارة والاستثمار- الطاقة النووية والأقمار الصناعية والتكنولوجيا والطاقة المتجددة. لذلك يمكننا القول إنه في ظل المبادرة فإننا ننتقل من طور الصين (المُصنع) والدول العربية (المستهلك) إلى مرحلة توطين هذه الصناعات في البلدان العربية ونقل التكنولوجيا اللازمة لعملية التصنيع. فكما نعلم فإن اقتصاديات البلدان العربية وخاصة الخليجية تسعى لتنمية اقتصاداتها من خلال تنويع قطاعاتها الإنتاجية وهذا ما يستلزم قاعدة انتاج صناعية متينة تضع قواعدها الشركات الصينية وتحصد ثمارها الدول العربية.
لقد دعا البيان الختامي الذي صدر عن القمة الصينية العربية إلى تعزيز الدعم المتبادل لتحقيق نهضة الامة لكل منها. إن الصين والتي تضع هدفها الأسمى بالنهضة العظيمة للأمة الصينية، والتي تضع كل طاقاتها في سبيل تحقيقه، تجد نفسها مُلتزمةً في ظل مرحلةِ صعودها الحالية، لأن تُعمم فوائدَ نموذجها الاقتصادي التي انتهجته منذ فترة الإصلاح والانفتاح، لا بل إن تَتشارك مع الأخرين في استكمال مقوماته، وأن تكون البوابة العربية ركيزته الأساسية، ليس من جهة استيراد منتجاته المُصنعة، وإنما لأن تكون محطة لتوطين هذه الصناعات، بحيثُ تكون مدخلاً تنموياً لاقتصاديات الشعوب العربية تُغنيها عن الخضوع لشروط وإملاءات وصفات بنوك وصناديق النقد الدولية.
إن اقتصاديات الدول العربية أمام مرحلة حاسمة يتوجب عليها اتخاذ قرارات استراتيجية قد تلعب دوراً تغييراً لمجرى التاريخ. ويأتي في مقدمة هذه المهام هو فك الارتباط بين البترول والدولار الأمريكي. فهذه الثنائية تسمح لعملة ورقية(الدولار) لا تستند إلى رصيد حقيقي، لأن تتَسَيَّدَ العالم وأن تجني أرباحها على حساب فقر شعوبنا واستنزاف ثرواتنا. إننا بحاجة اليوم للخروج من تبعيتنا لهذه العملة في مبادلاتنا التجارية. ففي نهاية آذار الماضي 2023، ارتفعت حصّة اليوان الصيني من المدفوعات العابرة للحدود «سداد وتلقي» بين الصين والعالم الخارجي إلى رقم قياسي هو 48٪، وذلك بارتفاع هائل من 0٪ في عام 2010. وقد تجاوز اليوان بذلك الدولار الأمريكي لأول مرة على الإطلاق بوصفه العملة المختارة لتسوية المدفوعات العابرة للحدود، حيث هبطت حصّة الدولار من 83٪ إلى 47٪ في الفترة ذاتها.
ولقد أشار الرئيس البرازيلي لولا عندما زار بنك بريكس الجديد للتنمية في نيسان، إلى أنّ التجارة الدولية يمكن أن تتم باستخدام اليوان أو عملات بريكس. وقبل ذلك كانت الصين والبرازيل قد حققتا الكثير من التطور في التسويات باستخدام اليوان. وفي 26 نيسان أعلنت الأرجنتين أنّها ستتوقف عن استخدام الدولار الأمريكي للدفع مقابل البضائع التي تستوردها من الصين، وستستخدم اليوان عوضاً عن ذلك. أما حاكم البنك المركزي التايلاندي فقد أعلن أنّ بلاده في مفاوضات حالية مع بنك الصين المركزي لاستخدام عملات البلدين في التسويات بهدف تقليص مخاطر التبادل الأجنبي.
أما على المستوى العربي فلقد كانت العراق الدولة العربية السباقة في هذا المجال باعتماد اليوان كعملة لتسوية المدفوعات المقابلة للبضاعة المستوردة من الصين. وفي ذات السياق فلقد توصل البنك الوطني السعودي مع «بنك الصين للاستيراد والتصدير» إلى تعاون أولي في مجال القروض باليوان. إننا نعتقد إن هذه الخطوات هامة جداً ويجب أن تُستكمل بأن تعتمد البنوك المركزية العربية اليوان الصيني كعملة احتياطية.

*د. سامي أبو عاصي، باحث في معهد الدراسات العربية – جامعة الدراسات الدولية في بكين.
*مداخلة ألقيت في المؤتمر العربي - الصيني الأول الذي نظمته جامعة زيجيانغ للعلوم الصناعية والتجارية (浙江工商大学)

  • العدد رقم: 416
`


سامي أبو عاصي