مجزرة قانا تتجدد بعد سبعة وعشرين سنة

... ومرّت الأيّام والسنين، الواحدة تلو الأخرى، بطيئة وملئ بالعبر.
سبع وعشرون سنة من عمر قرية جنوبية صامدة في وجه الشدائد والخذلان، وبالرغم من المجازر المتتالية والمتعددة الأشكال...

إنها قانا النازفة دما منذ ذلك اليوم المشؤوم المؤرّخ في الثامن عشر من نيسان 1996، حين انهمرت عناقيد الحقد الصهيوني، من عيار 155 ميليمترا، على أطفالها العزّل الذين اتخذوا من خيمة قوات الطواريء الدولية ملاذا لهم، فلاحقتهم المنية وقضت على أكثر من مئة منهم، بينهم عدد كبير من الأطفال الذين تحوّلت أجسادهم الندية إلى أشلاء دامية... هذا، عدا عن الحروق والتشوهات التي أصابت أغلبية الناجين.
حاول العدو الصهيوني كعادته التملّص من المسؤولية، فادعى شمعون بيريز، الذي كان يترأس ما يسمى بمجلس وزراء الكيان الغاصب آنذاك، أن قواته لم تكن على علم بوجود مدنيين تحت سقف مقر الأمم المتحدة وبحماية جنودها؛ غير أن التحقيقات والتقارير أفادت قاطعة أن ما جرى ليس سوى مجزرة ضد الانسانية، وأن تلك المجزرة الرهيبة تمت عن سابق تصور وتصميم، وهي تتطلب بالتالي إدانة صريحة. غير أن فيتو الامبريالية الأميركية أفشل إمكانية اتخاذ القرار، سامحا بذلك للعدو بارتكاب مجازر جديدة ضد شعب لبنان، وأبناء قانا بالتحديد. وكلنا يذكر ما جرى في 30 تموز 2006، يوم قصفت قوات العدوان الصهيوني أحد مباني القرية وقتلت خمسة وخمسون مدنيا بينهم سبعة وعشرين طفلا.
لماذا نستعيد اليوم ذكرى مجزرتي قانا، وبالتحديد الأولى والأكثر عنفا؟
لأن قانا اليوم عادت إلى الواجهة بفعل أحداث أليمة سجلها تاريخ الوطن في السابع والعشرين من تشرين الأول من العام الماضي 2022. هذه الأحداث التي تقع تحت الصفقة المسماة "اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل"، وبالتحديد في الحقل الغازي الذي يحمل اسم قانا، والتي تشكّل - كما جاء في نص الاتفاقية – "حلا دائما ومنصفا لنزاعهما البحري" عبر التخلي للعدو الذي قتل أبناء قانا مرتين عن 1420 كيلومترا مربعا من مياهنا الاقليمية؛ هذا، عدا عن "الحصة" التي ستعطيها شركة توتال لهذا العدو تحت مسميي"الحقوق الاقتصادية لإسرائيل في المستقبل" و"تعويض إسرائيل من قبل مشّغل بلوك 9"، وخاصة عن وضع تنفيذ "الاتفاقية" تحت إشراف الولايات المتحدة الأميركية، التي يتردد اسمها مرات عديدة في النص المكتوب، الأمر الذي يشكل الخطر الأكبر على سيادتنا واستقلالنا، وحتى على وحدة اراضينا، خاصة إذا ما عدنا في الذاكرة إلى العام 1982 وكل الجرائم التي ارتكبها العدو بدعم من واشنطن، ناهيك عن "مشروع الشرق الأوسط الجديد" بنسختيه الأميركية والصهيونية، واسبابه والأهداف الكامنة وراءه.
وهكذا، حلّت المجزرة الثالثة على القرية الشهيدة، وعبرها على كل الوطن، إنما هذه المرّة من قبل القيّمين على النظام اللبناني، الذين تناسوا أن الكيان الصهيوني ليس مجرد "منازع" بل عدو لا يزال يحتل قسما عزيزا من أرضنا. كما إنهم وضعوا جانبا ما تنص عليه المادة الثانية من الفصل الأول من دستور الوطن التي تحمل اسم "في الدولة وأراضيها"، التي تؤكد أنه " لا يجوز التخلي عن أحد أقسام الأرض اللبنانية أو التنازل عنه".
بمعنى آخر، إن التخلّي طوعا عن أرض الوطن يعتبر خيانة عظمى...

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 414
`


ماري ناصيف الدبس